الفصل التاسع

302 13 14
                                    

الفصل التاسع

في غضون دقائق بعد وصول المعلومات تم حصار المنطقة بأكملها في دائرة واسعة القطر لا يدخلها ولا يخرج منها مخلوق إلا بعد فحص دقيق لهويته وتفتيشه عدة مرات بعدة كمائن مختلفة

ينتقل النقيب أنور من نقطة إلي أخرى في نطاق الحصار ليتأكد بنفسه من دقة وحزم الاجراءات لكن لا شيء على الاطلاق ، كأنهم تبخروا تماماً حتى أجهزة المراقبة الموجودة في المنطقة تم تعطيلها لوقتٍ محدد فلم تكشف شيئاً يفيد ، وتم تكليف فريق بحثٍ واستطلاع آخر تكون مهمته الوحيدة والسرية خبايا التعاملات التي تحدث من صغار البشر حتى كبارهم للتوصل إلي أي عملية سرية قد تتم أو مكان آخر سينتهون إليه

بينما ظل العقيد حافظ في منطقة البناية يدرس مخارجها ومداخلها ويوزع رجاله بكل اتجاه ، فيما يقوم جهاز الاطفاء بعمله لإخماد الحريق الذي يتصاعد دخانه الأسود إلي عنان السماء ، وتقوم الإسعاف بعملها في فحص السيدات والرجال الذين تم إخراجهم من البناية مصابين باختناق تنفسهم أو نوبات هلع صاحبت فجيعة رؤية رب أسرتهم وهو جثة محترقة عند مدخل الشقة التي تحولت إلي جحيم مصغر

وفي إحدى السيارات الأمنية الخاصة رقد طفل صغير قام الأطباء بالعناية به بشكل خاص وقد رفض حافظ انتقاله إلي أي مكان إلا تحت نظره فظل لساعات حتى تحرك معه بالسيارة إلي مقر المخابرات المصرية حيث ظل ' اياد حكم ' فيه بتعليمات مشددة ليسلمه بنفسه إلي أبيه موفياً بوعدٍ قطعه له يوماً بإيجاد ابنه

حمل حافظ الصغير ذو الأربعة أعوام على كتفه ودخل به المقر سائراً في الممر الطويل ثم نزولاً إلي غرفة خاصة أسفل المقر مجهزة للاستقبال ليجد اياد بالانتظار
جالساً وعيناه تشتد بشراسة أفكاره وهول الانتظار على قلب أب ونفس ضابط تريد الانتقام

فُتِحَ الباب ليرفع وجهه وطرق قلبه هولاً آخر ، خوف ؟!.. ربما ، لكنه تجمد دون أدنى قدرة على وقوف ، وأمطر قلبه دقات زمن عاد أربعة .. خمسة .. ستة أعوام ، عاد إلي ضحكة أنثى منثورة الخصلات مرسومة مثل لوحة سريالية ، كلما تكتشف منها جزءاً سحرك معناها بالأعمق

اقترب حافظ منه بالقول
" ابنك يا اياد "

وكان قولها تقريراً أو معاناة ، لكنه قابله بالصمت التام ، ودموع لن تسيل اليوم.

..................................................

( - كانت الساعة العاشرة في يومٍ غابت فيه الشمس مهما أشرقت ، الثاني من نوفمبر عام 1954 ، خرج ثلاثة أطفال فلسطينيين يجمعون الحطب قرب قرية دير أيوب في الرملة ، وفي طريقهم وجدوا اثني عشر جندياً اسرائيلياً ، هربت طفلة لكنهم اطلقوا الرصاص على ساقها ، عادت قريتها تنزف لتخبر أهلها ، هرع الأهالي لإنقاذ الطفلين الباقيين ، فوجدوا جنود اسرائيل يأخذون الطفلين ، أوقفوهما ثم اطلقوا عليهما الرصاص وذهبوا ، ثم ماتت الطفلة صباح اليوم التالي.
- ما نراه ليس بجديد ، اليوم ذكرى نساء الشرفات ، السابع من فبراير عام 1951 ، الساعة الثالثة صباحاً ، استيقظ أهالي قرية الشرفات في الضفة الغربية على انفجار هائل ، تسلل ثلاثون جندياً اسرائيلياً وخرقوا منطقة الهدنة وزرعوا العبوات الناسفة على جدران بيت مختار القرية والبيت المجاور له ثم انسحبوا ، وثقت التقارير مقتل شيخين وثلاث ونساء وخمسة أطفال وجرح ثمانية آخرين من النساء والأطفال.
- ما نراه ليس بجديد ، السادس والعشرون من يناير عام 1952 ، كان احتفال الطوائف المسيحية الشرقية بذكرى ميلاد المسيح تحت الرصاص ، قامت دورية اسرائيلية بنسف منزل قرب بيت لحم ، ومنزل آخر قرب دير الروم الأرثوذكس في القدس ، وأمطروا رصاصهم تهنئة على قرية عمواس في الرملة.
- ما نراه ليس بجديد ، التاسع والعشرون من يناير عام 1953 ، هدمت سرية اسرائيلية من مائة وثلاثين جندياً قرية فلمة في الضفة الغربية بمدافع الهاون.
- ما نراه ليس بجديد ، الثامن والعشرون من أغسطس عام 1953 ، هاجمت اسرائيل مخيم البريج وسط غزة فقتلت عشرين وجرحت اثنين وستين ، لم يكفِ طردهم إلي المخيم بل لابد في أعرافهم هدم المخيم.
- ما نراه ليس بجديد ، " ساحرث قلقيلية حرثاً " جملة قالها موشيه ديان لغضبه من مقاومة أهالي مدينة قلقيلية ، وفي العاشر من أكتوبر عام 1953 دخلت اسرائيل بكتيبة مشاه وكتيبة مدرعات وكتيبتي مدفعية وعشر طائرات مقاتلة ! ، كل هذا السلاح لأجل قلقيلية ، لغموا الطرق وقطعوا الاتصال وهاجموا كل الاتجاهات فدمروا المدينة وأفسدوها وقتلوا مَن قتلوا ، لكن حرسها الوطني أبى أن يزول فظل صامداً حتى أجبروا اسرائيل على انسحابٍ ذليل بالخسارة.
- ما نراه ليس بجديد ، بعد خمسة أيام فقط جاء الانتقام في قبية شمال القدس ، حاصر ستمائة جندي القرية وقصفوها ، طوقوها بالألغام ليعزلوها ، قتلوا المدنيين العزل ولغموا المنازل فدمروها على مَن فيها ، قيل انهم 56 منزلاً ومسجد القرية ومدرستها وخزان مياهها وأبيدت أسر بكامل أفرادها.
- ما نراه ليس بجديد ، التاسع والعشرون من مارس عام 1954 ، خرق ثلاثمائة جندي منطقة الهدنة مجدداً بالضفة ، ألقوا القنابل على بيوت قرية نحالين في بيت لحم وعلى مسجدها الجامع
واليوم .. نحالين الفلسطينية محاصرة بالسواتر الترابية والمكعبات الاسمنتية والحواجز الحديدية الاسرائيلية ، يطاردون أهاليها ويرسلون إنذارات هدم البيوت لبث الرعب ويهدمون ما يريدون بالفعل ، وفي الموسم الزراعي للقرية يفتح الاسرائيليون المياه الملوثة على الأراضي الزراعية فتتلف المحاصيل ويصعب الدخول للأراضي حتى للتحسر جوارها.
-إننا هنا لنسمع التاريخ ، لنعرف التاريخ ، احيوا جرائمهم قدر استطاعتكم ، فالجيل الصاعد انقسم بين كاره صامت ومنشغل آسف ، كأن الاحتلال أصبح شيئاً بديهياً لن تنهيه كلمتنا مهما ارتفع صوتها ، أن نسمع ونرى ونخبر هو أضعف ما نقدم ، وأنا معكم اسمع وأرى واخبر. )

روزان للكاتبة نورهان عبدالحميدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن