الفصل الثاني

267 11 5
                                    

على بعد مسافة من ذلك النهر الصامد لآلاف السنين تم تشييد منزلٍ بمثابة قلعة وُضِعَت أحجارها واحداً تلو الآخر بكفاحٍ صلب وعزيمة لا تفتر

كفاح تجاري عن ذكاء توارث جيلا من بعد جيل لتكون عائلة ' حكم ' هى الأولى في إدخال صناعات كثيرة إلي دولة قلب إفريقيا
قرون مرت ومصانع بُنِيَت وأخرى هُدِمَت وأخرى تم تأميمها وما زال اسم ' حكم ' حاكماً تجارياً لا يخضع ، ولا ينحدر من القمة

وأمام تلك القلعة في بقعة خضراء بالعشب والأشجار يجلس ذلك الرجل الذي يمثل غصناً صلباً من شجرة عائلة ' حكم ' ، على مقعد ينظر لنهار السماء ربما يدرك وربما لا ، بعدما أُصيب باعتلال دماغي أشبه بألزهايمر النسيان ، لكنه أوقف كلامه وأضعف حركته بما يقارب الشلل الذي يحل ويذهب مراراً

في هدوء اقترب اياد وهو ينظر حوله يستوعب وجوده ببيته منذ عاد البلد ، خطواته على هذه الأرض تختلف ، ربما يحمل الألم معه كلما ابتعد وسافر لعمله لكن هنا هو نفسه من البداية للنهاية ، بدون أوراق سفارة أو قنصلية تابع لها ، لغته وأسلوبه وقيمه وعاداته واسمه .. هنا هو ' اياد حكم '
وقف أمام المقعد العريض لينحني يمسك كف الرجل ويقبلها مع اهتمام صوته

" عاصم بك "

تحركت عينا عاصم وجفناه حركة طفيفة نحو محدثه ليضيف مبتسما مطمئنا

" أنا اياد ابنك .. أنت متعب قليلاً لذلك ربما لن تنتبه ليّ الآن "

لم تظهر أي إشارة على وجه الرجل الذي رسمت تجاعيد العمر خطوطه بدقة أذابها المرض ليتبقى وجه ساكن أبيض الشعر فارغ المطلب رغم رقي هندامه واستقامة ظهره الذي لا ينحني بجذرٍ في الأرض شديد
جلس اياد جواره بطرف المقعد الآخر ليتحدث كعادته

" جئت لاخبرك أن لدي مهمة جديدة مثل كل مرة .. منذ فترة طويلة لم اتحدث معك .. هذه المرة مختلفة "

هذه المرة لا يمكن أن يسمي ما يشعره مجرد غضب ، هذه المرة نار ودم ، تلك النار التي ظنها انطفأت حين سمع خبر موت قاتله ، ثم اشتعلت بخبر وجوده على قيد الحياة
والدم في عروقه يسري غلياناً لا أحد يدركه وهو يصف قليلا مما يشعر

" لا استطيع التحكم في الغضب داخلي .. لا قانون ولا رتبة ولا عمل اشعر بانتمائي إليهم حالياً .. كل ما انتمي إليه الآن رغبة انتقام .. وابني "

طيف ابتسامة من الغيوم أمامه لن يمطر ظلل ملامحه وعينيه السوداء ليتابع

" أصبح لدي ابن آخر .. نور كانت حامل في ولد .. لم نرد أن نعرف لأخر لحظة .. قررنا أن نجعله يفاجئنا هذه المرة "

الذكريات بين ضحكة ودمعة تقتله وهو يلتفت إلي أبيه يطالع صدره المتحرك بأنفاسه ويقرر بكل إرادته

روزان للكاتبة نورهان عبدالحميدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن