الفصل العاشر

239 15 13
                                    


تشوش عقلها بأفكارٍ كثيرة ، أصوات متداخلة ، ' ماضي حكم ' في بيتها ، يقابل أباها ، يقابل أمها ! ، تعلو أصواتهم أكثر بحكايات لا تفسرها ، لكنها جالسة في حضوره السيادي تراقب هيبة طلته ، جالسة كأنها مكبلة الجسد ! ، لا تستطيع الحركة ولا الاستيقاظ .. فتبكي ، ولا تشعر بالدموع السارية من خلف جفنيها المطبقين

فهناك في باطن عقلها لا دموع ، فقط الصورة كأنها شبح يطاردها ، شبح برز من خلفها ليقبل عنقها أمام أعينهم الساخطة المتهمة ، يتحسس جسدها فوق ثيابٍ لا تمحو وصمة شرف وفجيعة ذنب 

علا بكاؤها ، والصورة تتفاقم حدة وشبح آخر يبرز عند قدميها ، يجثو عليهما يغرس أصابعه فيهما ، شبح اتخذ وجهاً تعرفه .. فوقف ماضي     

وانتفض جسد غفران مشلولاً ، ثم مرتجفاً نافضاً غفلة النوم لتصحو أخيراً وتشعر بالدموع فتزيدها نهراً آخر ، يصيبها الغثيان كالعادة رفيقاً للدونية ورغبة إنهاء الحياة ، فلا زمن يعود للتراجع ولا تصحيح يمحو بعض الأخطاء.

الثالثة صباحاً .. بعد المكالمة البغيضة لا تعرف ماذا سمع ماضي منها ، فقد التزم صمتاً قاسياً بثمانين جلدة من غضب عينيه ، أغلق المكالمة وحظر الرقم وألقى الهاتف على سريرها وخرج من المنزل كله ، وبقي يومين في عمله مع ازدياد الحراسة عليها  

شق البكاء قلبها وجعاً ، هى ليست مظلومة بل مُهانة بيدها ، تعبت من تمثيل دور القوية العالية ، وتعبت من الوجع الذي يخرط روحها حتى النهاية ، لن تغفر لنفسها خطيئة ظنت أنها أقوى منها ، فوقعت فيها ، ربما لأنها نظرت لمَن سقط فتعالت نفسها أنها الأعلى والأشرف .. فسقطت 

هكذا الإنسان .. دون أن يدرك أنه ستر ربه وتوفيق ربه وحكمة ربه أن عافاه مما ابتلى به غيره ، يعيب على غيره بتعالٍ فيصيبه نفس العيب دون أن يشعر ، تدور الدوائر 

 في الظلام نظرت حولها باختناق ، فوضعت وشاحها وخرجت من الغرفة ، ككل يوم كان البيت صامتاً إلا من أنواره الخافتة ، ألقت نظرة على باب غرفته المغلق ثم نزلت ، لا تعرف إن عاد أم لا ، طهرونية لم تستيقظ بعد للفجر ، لكن باب المنزل كان مفتوحاً ، والضوء الخارجي يلقي آشعته الصفراء حتى منتصف البهو 

تباطأت خطوات غفران وهى تخرج ، تستنشق الهواء البارد ليلاً ، وتحتاج هذه المساحة الشاسعة أمامها لترتاح من صراع نفسها وضيق صدرها قليلا ، لكنها لم تلحق كثيراً !   

وجدت رضوى تستند إلي العمود العريض تدخن بشرود أو تفكر بعمق ، ما إن شعرت بأحد أدارت وجهها الفاتن لترمق غفران بمنامتها الفضية الخريفية وملامحها المرهقة  

" أهلاً يا .... "

صمتت .. لم يبد على وجه غفران أي تعبير سوى فراغ متبلد متعب من البكاء فلم تجد رضوى ما تتحدى فتابعت

روزان للكاتبة نورهان عبدالحميدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن