الفصل الثالث

182 15 167
                                    

قبل ساعات

دخل اياد الغرفة التي تم إعدادها للتصوير لتظل بها البلوجر ' رحيل المطري ' فترة وجودها بمصر

لكن اليوم لم يكن في حياتها عاديا ، كان يوماً من رحيل حقاً .. رحيل أكثر ألماً ومرارة .. رحيل يجعل الباقين يحمدون الله على مَن يموت في سريره وأمام أهله ويُدفَن مكرماً

منذ أيام لا تتوقف الغارات والقصف الاسرائيلي الغادر على قطاع غزة رداً على المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني .. هُدِّمَت بيوت وأراضٍ ومشافٍ ومدارس وأصبحت الأنقاض عنوان كل الصور والعدوان المحتل عنوان كل الأحداث

وجدها جالسة أمام تلك النافذة المغطاة بزجاج مضاد للرصاص يكشف الخارج ولا يكشف الداخل ..
وتعبيراً يعرفه جيداً على ملامحها الحزينة الباكية بصمت .. من صمود وصبر وإيمان كانت .. هالة تضوي وإن أظلم العالم

توقف جوارها يقدم تعازيه فيمَن تُوفِي من أهلها

" البقاء لله آنسة رحيل "

هزت رحيل رأسها ترد سراً وتدعو بالصبر سراً وتكتم حزناً عميقاً سراً ثم قالت بثبات

" لابد أن أعود بلدي .. لابد أن ارجع إلي فلسطين الليلة .. لابد أن أكون هناك في غزة "

قال اياد بهدوء حازم

" أستاذة رحيل مجرد خروجكِ من هنا خطر عليكِ "

مسحت رحيل خديها من تلك الدموع التي تغافلها لا تبكي أمام غريب ولا يكسرها كاسر ثم قالت بصلابة

" أي خطر تتحدث عنه ؟!.. فلسطين تحت القصف والنار .. أهلي يموتون برصاص الصهاينة .. الأطفال يموتون تحت أنقاض منازلهم التي يهدونها على رؤوسهم .. أي خطر أكثر تتحدث عنه ؟ "

فغر اياد فمه بلا رد يسحب نفساً طويلا ناظراً للأعلى ضاغطاً على ألم جبينه بكثرة الضغط والتفكير ثم تخصر قائلا

" لا يمكنكِ العودة الآن .. أنتِ على رأس القائمة تسعة .. اسرائيل تستهدف الصحفيين وضربت مبنى المكاتب الإعلامية في غزة واستُشهِد كثير منهم ويقطعون الاتصالات والانترنت ليكتموا أي صوت فما بالكِ بصوتٍ مثل صوتكِ ؟ "

نظرت رحيل إليه بعينين قويتين من عزم ترد

" ولأنه صوتي يجب أن أعود .. يجب أن أكون وسطهم .. يجب أن أحارب بصوتي هذا "

سحب كرسياً ليجلس على مسافةٍ جوارها ينظر لتلكما العينين الواسعتين المتخفيتين وراء زجاج نظارتها ذات الاطار الأسود لكنهما ظاهرتي العزة والشموخ متحدثاً بهدوء

" سيقتلونكِ .. سيستغلون الأحداث ويقولون ماتت في القصف "

منذ قرأ ملف الإدارة عنها وحفظها إلي حدٍ كبير ، ويعرف إنها عنيدة ومقاومة ولا تخشى في الحق موتاً ، ويعرف إنها متحدثة لبقة ولها دواوين نثرية لها قيمة كبيرة في الأدب الفلسطيني اليوم ..

روزان للكاتبة نورهان عبدالحميدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن