مراقب من بعيد 1

51 8 19
                                    


أخذت سماء ما قبل الغسق تحتضن غيومها الكثيفة ، مستترة بها على أرض لم تكد تتنفس من جديد ، مغرقة على آخرها بناتج هطول المطر المتراكم منذ أيام ؛ بجانب طابع مناخها الدافئ و جوها الرطب طوال العام ، جاعلة منها مستنقعا وعرا غلبت عليه الأشجار الإستوائية الخضرة و ندرت فيه الدروب الآمنة .

هناك في الجانب الغربي لأرض سيسيفس ، بعيدة كل البعد عن كورينث و أرض البشر ، قريبة نسبيا لأرض الأوراق ، و لا تغرنك كلمة قريبة ، فبعدها يتجاوز بعد الأولين عن بعضهما البعض ، قبعت أرض كئيبة سميت أوكسن ، أخذت قطعة لا بأس بها من سيسيفس كافة ، ممتدة إلى الحدود الغربية و التي تطل على المحيط الميت على حواف الجبال الشاهقة لتلك المنطقة ، و لعلها جبال معدودة يتساقط فيها الثلج بنهم غير مسبوق مكتسية على آخرها بطبقة بيضاء بهيمة ، ساكبة بردها الناخر و صقيعها على السهول الغنية من تحتها في تنوع جغرافي باهر و أيضا ، غير رتيب .

في خضم صوت النقر المتواصل لقطرات الماء الثقيلة على الصلب ، دوى صوت صليل حاد أسمع صداه تلك الطيور الفارّة ، بالتواتر مع طلقات الرعد الغاضبة ، يمكن للأذن الخبيرة تمييز رنين السيوف الحديدية ، إلا أن لهذا الصليل طبع خاص ينفي ذلك . بين الأشجار الكثيفة و على مقربة من حفرة وحلية دبقة يمكن إبصار كيانين إثنين يتقاتلان باحتدام ، و بينما توضح أولهما أنه بشري فالثاني كان سؤالا ، و رغم ظهوره على هيئة بشرية هو الآخر فإن ذلك الجلد الباهت ، و الذي ميزته رائحة العفن ، و ملامح الوجه المقتضبة على نحو متطرف قد كفرت .

رامقين بعضهما بنظرات متجهمة تكاد تقطر موتا ، إنقض الإثنان في آن واحد ، فلَق البشري بخنجره المقعر الهواء بينهما رادعا إندفاعة الكيان المعززة بذراع مستأصلة من معدن أسود شديد . و بخطوة سلسة ، و خطيرة ، للأمام تحاشى الرجل تلويحة مباغتة صاحَبها بطعنة نهائية نحو حلق العدو .

تصنم الإثنان للحظة استيعاب أن القتال إنتهى ، وخزت القطرات وجه البشري المقطب فَلان و قد تدحرجت خضرويتاه مع الدماء السوداء التي شقت مسارها فوق الخنجر ، منسابة على الأرض . تراجع خطوة هادئة إلى الخلف و رفع ناصيته موجهة للسماء عندما أخذ نفسا عميقا ملأ به صدره متبوعا بصرخة مدوية .

" دوروثي ! "

ركبت الصرخة صدى الرعد مطلعة عن حنقه الدفين ، ذلك الشاب الكبير ذو القميص المتواضع و السروال القصير ، الغير رسميين ، و قصة الشعر الجانبية ، التي أفسدها المطر ، لَشخص مألوف . ماكسيميلان كامبل أو كما عرف أيضا بماكس بطل لعبة الشطرنج لسنتين متتاليتين 

استقر الهواء برأتيه ، فاطلع على الجثة المستلقية أمامه هنيهة صاحَبها تأكيدٌ حذر على الحفرة الطينية و قد أبانت على ثلاث جثث أخرى تطفو بسكون ، زفر ماكس مرة أخرى بتعجب 

القارات المخفية | Occult Landsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن