"و أنا أعانق ظلّك في حلمٍ كانت
عظامي تتقوّس مثل الأزهار."❑❑❑❑❑❑
تقف أمام قبر والديها.... لم تستطع كبح عبراتها لوقت طويل..... بكت، و لا تستطيع تحديد أتبكي على فقدانها والديها، أم تبكي حالها و تخبطها المستمر، أم تبكي لشعورها الدائم بالعجز، أم تبكي لأنها لم تستطع التغلب على مرضها النفسي الذي قريبا سيفتك بها و يجعل من حولها ينفرون منها..... هكذا كان عقلها يصور لها الأمور بطريقة أكثر من سوداوية.
أزالت عبراتتها تماما و تحدثت بصوت مختنق : ماما، بابا.... أنا جيت أهو عارفه إني بقالي كتير مجتش.... بس مش بنساكم في دعائي الحمدلله.
أخرجت هاتفها.... فتحته على صور الخطبة و الجميع مبتهج و البهجة تعم أجواء الصورة: بصوا سالي كبرت إزاي... اتخطبت لعمار.... و مدحت كمان كتب كتابه قرب.... إسمها رقية طيبة أوي... لو كنتوا هنا.... لو كنتوا هنا كنتوا هتحبوها أوي... فارس كمان خطب... و بدر هيكتب كتابه مع مدحت...... و أنا.... أنا اتخطبت.
ابتسمت بحزن، شعرت أن هذا هو المكان الوحيد الذي تستطيع إخراج ما بداخلها فيه دون مقاطعة، دون نظرة شفقة أو تعاطف، دون كلمات عابرة تهون عليها ما لا يسع تهوينه: يوسف كويس أوي معايا و مع الكل.... بيحاول يسعدني و يخفف عني... عارفين ده نقل جمب شقة تيتا علشان يبقا جمبي، مامته كمان كويسه أوي... و أنا حبيتها أوي.. بس...... بس أنا خايفة من كل ده.... أنا اتعودت على الوحدة... اتعودت أصحى ما أشيلش هم حاجه و لا أفكر في حد، خايفة.... خايفة أحبه و اتعلق بيه.... و يطلع كل ده وهم و يختفي أو يزهق مني.
حاولت استنشاق بعض من الهواء، علها تهدأ، لكن ازداد نحيبها و بكائها و تحدثت بصوت متقطع و عالٍ نسبيا: أنا تعبت خلاص، حاسة إني في دايرة مش بتخلص، بحس إني بتخنق و أنا وسطهم، مش عارفه أحدد مشاعري ناحيتهم، مش عارفه أحس إني بحبهم، وجودهم بيحسسني بالدفى، بس بقف هنا ومش بيكمل الإحساس.... مش عارفه اتعامل... مش عارفه أخرج أو اتكلم مع حد، حتى يوسف مش بكلموا هو اللي بيكلمني... بس أنا برتاحله بحس إنه فاهمني فعلا مش بيمثل.... حتى مدحت حاول يساعدني و صديته، مبقتش حاسة بنفسي خلاص... كل يوم بفوق على الأوضة متدمرة و حالتي بتسوء، مش ببقا فاكرة حاجه، مع إني كنت هديت و مبقتش بسرح زي الأول.. مش عارفه حصل إي شقلب كل حاجه.
كانت تتحدث بسرعة و تبكي بحرقة، منذ زمن لم تبكِ مثل اليوم : ساعات بفوق و أنا قاعدة بكلم نفسي و ببتسم، بحاول أخرج من الحالة دي مش بعرف، بحاول أفوَق نفسي بفشل و بصحة تاني يوم على حاجات أغرب من الأول..... عمي شاكر... مات.. و عمو فتحي اتسجن. زرته في السجن... كان تعبان أوي، مش عارفه أعمل إي، خايفة... خايفة أظلمهم معايا... خايفة أفوق على حقيقة في يوم إني ضيعتهم مني، آه......
ظلت تبكي و تتتحدث حتى غرُبت الشمس و أحست أن الوقت قد تأخر... نهضت تمسح عبراتها و قالت : أوعدكم إني هحاول علشان نفسي، و علشان أقدر أعيش، طول عمري عايشة بقوتي و توكلي على ربنا، طول عمري حاطة أملي في ربنا إنه أكيد هيجبر بخاطري و يكافئني باللي أستحقه، هحاول مع يوسف... هحاول أدي لقلبي فرصة.