الفصل الثاني : رغبات

921 97 160
                                    

لطالما أردت أن أعيش كل لحظة بتفاصيلها دون الخوف مما يظنه الأخرون عني .....هل كان طلبا صعبا؟ .....
..............................................................
كاليستا

كان أبي يكره المطر. .......
كل عام يتمنى شتاء جافًا من قطرة ماء واحدة ، لطالما أخبره الجميع أن المطر خير ، لكنه لا يرى أي خير في ظاهرة تُحيل شوارعنا لمستنقعات طينية، تفسد الأراضي الزراعية و تغرقها ، تصيب الصِبية بنزلات برد بمن فيهم أنا ، إبنته الغالية
التي لم يتوانى عن منعها اللعب في الخارج أثناء سقوط المطر

"المطر غادَر" هكذا إعتاد أن يقول بشيء من الهدوء يعلُو محياه
لقد كان المطر شيئا لا يمكن التنبؤ بموعد هطوله و لاتنبؤ بموعد توقفه.
يجيء وقتما يشاء، ويرحل وقتما يشاء، ولا سُلطة للإنسان عليه. وأبي يكره عدم إمكانيته السيطرة بالأشياء. ....

كان حلم طفولتي أن ألعب وأرقص تحت المطر، ولو لمرة واحدة مثل بقية الأطفال ، كل موسم مطر أرجوه أن يسمح لي هذه المرة فحسب، لكن رفضه لا يُغيره شيء ، حتى يأستُ من المحاولة.

إعتدتُ أن أقف في النافذة، وحيدة ، أراقب الأطفال يلعبون تحت قطرات المطر المتساقطة ، يستنشقون رائحة التراب المبلل وأتخيل نفسي كُل مرة أننِي مكانهُم ، مرة أتخيل نفسِي أنني ألعب في الخارج و شعري مجدول على شكل ضفيرتين طويلتين أزعجتا لعبي ، فيأتي صبي أهوج و يشد إحداهما ، فما كان لدي سوى أنني كورت كتلة طين في يدي وقذفته بها، ولم يكد يراوغها حتى أصابت رأسه تمامًا وسط ضحكاتِ الأطفال جميعًا ، و في مرة كنت صبيًا، أشمر سروالي إلى ما يقارب ركبتي ، وأقفز بكل عزمي في برك الوحل، قاصدًا تلطيخ كل من حولي.
و في مرتي الأخيرة، قبل أن أعتَزل تلك العادة، كنت بنتًا ذات شعر قصير للغاية ، وقرطين ذهبيين يُرى لمعانهما من بعيد ، ترفض البنات اللعب معي لأنني أشبه الأولاد بشعري القصير ، ويرفض الأولاد اللعب معي لأنني أشبه البنات بقرطي الذهبيين. لذا أبقى بمفردي، تحت المطر ألعب لا أبالي إن كنت لا أنتمي لأحد..

كبرتُ قليلا و كبر أبي، دام مقتُه للمطر ، ونسيت حلمِي.

وفي يوم شتوي صافٍ، وعلى عكس تنبؤات القسيسين السخيفة بجوٍ صافي لايشوبه شيء ، هطل المطر و لسوء حظي كنت في الخارج أنتظر العربة لتقلني إلى المنزل ، أو القصر أنا لا أعلم تحديداً ، لم يكن هناك مكانً ألوذ به لأحتمي ، وفي خضم حيرتي وقفت بجانبي ، إمرأة غريبة ، بفستان أخضر بسيط تعلوه مريلة بيضاء ، شعر بني ناعم جمعته إلى الأعلى ، وقفت بجانبي ، و إِستهلت حديثَها عن كمية عِشقها للمطر ، وأنها إِعتادت في صغرها أن ترقص تحته حتى يهُدها التعب...
أخبرتها بلا إِكتراث أنني لم ألعب تحت المطر قط في طفولتي ، فظهرت على ملامحها الدهشة
_ "أي طفل هذا الذي لم يجرب هذه اللذة؟!" ..قالت بحماس غريب ..

Lady De Jorgia Where stories live. Discover now