كان وُجُودِي دَائِمًا كَظِلٍّ يَتَرَاقَصُ عَلَى هَامِشِ الْحَيَاةِ، لَا مَوْطِنَ لِي، وَلَا سَقْفَ يَظُلُّنِي. كُنْتُ أَتَجَوَّلُ فِي أَرْوِقَةِ الْعَزْلَةِ كَأَنَّهَا قَدَرِي، أَعِيشُ مُتَشَحًّا بِالِانْطِوَاءِ، أَتَحَصَّنُ مِنْ أَيِّ إِنْجِذَابٍ إِلَى الْآخَرِينَ.......
كَأَنَّ الْوَحْدَةَ قَدْ سَكَبَتْنِي فِي قَالبٍ صَلْبٍ، وَنَحَتَتْنِي عَلَى هَيْئَةِ طَائِرٍ يَرْفُضُ الاقْتِرَابَ، لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ لَهُ وَطَنٌ فِي قَلْبِ آخَرَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَرْضَ الْآمِنَةَ لِأَحَدٍ........
كُلَّمَا اَمْتَدَّتْ يَدٌ نَحْوِي، اِنْسَحَبْتُ، وَكُلَّمَا اقْتَرَبَ نَبْضٌ، أَغْلَقْتُ قَلْبِي وَكَأَنَّنِي أَخْشَى أَنْ أَذُوبَ وَأُصْبِحَ سَجِينًا فِي أَمَانِي لَمْ تَكُنْ يَوْمًا لِي.....
عِشْتُ طَوِيلًا كَأَنَّنِي لَحْنٌ بِلَا كَلِمَاتٍ، أُغْنِيَّةٌ بِلَا صَوْتٍ. كَأَنَّنِي صَدًى يَتَلَاشَى مَعَ الرِّيَاحِ، أَثَرٌ يَتَبَخَّرُ مَعَ كُلِّ مُحَاوَلَةٍ اقْتِرَابٍ، أَتَجَنَّبُ كُلَّ مَشَاعِرٍ قَدْ تَخْتَرِقُ أَسْوَارَ قَلْبِي الَّتِي بَنَيْتُهَا بِيَدِي......
جَعَلْتُ مِنْ نَفْسِي عَالَمًا صَامِتًا مِنَ الْأَسَى، كَأَنَّنِي حَفَرْتُ مَسَاحَاتِ قَلْبِي بِفُرْشَاةِ الْوَحْدَةِ وَأَلْوَانِ الْحَذَرِ، فَلَمْ أَسْمَحْ لِنَبْضٍ أَنْ يَتَسَلَّلَ، وَلَا لِشَوْقٍ أَنْ يَنْبِتَ بَدَاخِلِي. رَسَمْتُ لِنَفْسِي خُطُوطًا لَا يُسْمَحُ لِأَحَدٍ بِتَجَاوُزِهَا، كَأَنَّنِي خَائِفَةٌ مِنْ أَنْ أَكْتَشِفَ عَاطِفَةً جَدِيدَةً قَدْ تَزَلْزِلُنِي. لَمْ أَكُنْ أَفْهَمُ مَعْنَى أَنْ أَكُونَ مَوْطِنًا، وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَجِدَ وَطَنًا لِي......
كَانَتْ حَيَاتِي أَشْبَهَ بِكَهْفٍ بَارِدٍ، مُوْصَدٍ الْأَبْوَابِ، مَغْطًى بِالظُّلَامِ، بِلَا أَلْوَانٍ تَسُرُّ الْقَلْبِ، بِلَا نَبْضَاتٍ تَجْعَلُنِي أَشْعُرُ بِأَنَّنِي عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ......
ثُمَّ جِئْتَ أَنْتَ...
ظَهَرْتَ كَعَاصِفَةٍ لَمْ أَتَوَقَّعْهَا، كَأَنَّكَ نُورٌ اخْتَرَقَ ظُلَامِي فَجْأَةً، وَكَأَنَّ الْكَوْنَ كَانَ يُهَيِّئُكَ لِي مُنْذُ الْبِدَايَةِ دُونَ عِلْمِي. كُنتَ مُخْتَلِفًا، وَكَأَنَّكَ الصُّورَةُ الَّتِي كَانَتْ غَائِبَةً عَنِّي، وَكَأَنَّكَ تَشَكَّلْتَ مِنْ أَحْلَامٍ دَفِينَةٍ لَمْ أَكُنْ أَجْرَؤُ حَتَّى عَلَى تَخَيُّلِهَا.......
كُلُّ خُطْوَةٍ مِّنْكَ كَانَتْ تَجْتَازُ حُصُونِي، تَخْتَرِقُ أَسْوَارِي، تَفْتَحُ أَبْوَابِي الَّتِي ظَلَّتْ مُغْلَقَةً لِسَنَوَاتٍ، وَكَأَنَّكَ تَمْلِكُ الْمِفْتَاحَ لِكُلِّ بَابٍ دَاخِلَ رُوحِي، لَمْ أَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ أَتَى سِحْرُ وُجُودِكَ هَذَا، لَكِنِّي شَعَرْتُ بِنُورِكَ يَذِيبُ صَلَابَةَ قَلْبِي بِمَسَّةٍ لَمْ أَخْتَبِرْهَا مِنْ قَبْلِ.....
YOU ARE READING
Lady De Jorgia
Historical Fictionشَعر بني كشلالٍ من الشوكولاته...عُيون خضراءٌ لامعةٌ... رمزُ الجمالِ النابع من الطَبيعة.... فَتاة عاشَت تحت كنفِ وَالدهَا المُحب .... ذكِية بمَا يكفِي لتَعرف أنهاَ مُميزة أو لنقُل مختلفَة.... مبادئٌ ثابتَة فِي زَمن كَانت المبادئُ فِيه مجَرد كلامٍ...