الفصل 15 : الرسالة الأخيرة

573 27 133
                                    

أَبْحَثُ عَنْ حُبٍّ عَمِيقٍ كَجُذُورِ الشَّجَرِ، يَمْتَدُّ فِي رُوحِي كَمَا يَمْتَدُّ النَّهْرُ فِي وَدِيَانِهِ، حُبٍّ يَأْتِي لِيَجْتَاحَنِي بِهُدُوءٍ، مِثْلَ الْمَطَرِ حِينَ يَهْطُلُ بِرِفْقٍ لِيَغْسِلَ عَنِّي غُبَارَ الْأَيَّامِ. أُرِيدُ أَنْ يَرْوِي عَطَشِي لِلْأَمَانِ كَغَيْمَةٍ ظَامِئَةٍ تُفْرِغُ مَا فِي قَلْبِهَا، فَتُطَهِّرُنِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَثْقَلَنِي، وَتَمْنَحُنِي دِفْئًا يَجْرِي فِي دَمِي.........

أَبْحَثُ عَنْ حُبٍّ يُشْبِهُ مَطَرًا بَكْرًا يَنْسَابُ فِي أَرْضِي الْجَافَّةِ، لِيَسْقِي عَطَشِي وَيُحْيِي فِي دَاخِلِي الْحَيَاةَ، حُبٍّ يَنْتَشِلُنِي مِنْ نَفْسِي وَيَرْفَعُنِي بَعِيدًا عَنْ جُدْرَانِ الصَّمْتِ وَالْقَلَقِ......

أَحْتَاجُ إِلَى حُبٍّ يَنْثُرُنِي فِي طَيَّاتِهِ كَقَصِيدَةٍ فِي أُولَى سُطُورِهَا، مَفْعَمَةٍ بِالْمَعَانِي، كُتِبَتْ بِلَا نِهَايَةٍ. حُبٍّ يَحْتَوِي ذَوَاتِي الْمَنْسِيَّةَ، وَيَمُدُّ لِي يَدَهُ فَأَجِدُ نَفْسِي مِنْ جَدِيدٍ بَيْنَ أَحْضَانِهِ، فَأَشْعُرُ وَكَأَنَّ رُوحِي تَصْحُو بَعْدَ سُبَاتٍ طَوِيلٍ......

أَرْغَبُ أَنْ يُجَدِّدَ فِيَّ تَكْوِينِي، يُعِيدَ تَشْكِيلَ كُلِّ جُزْءٍ كَانَ قَدِ انْطَفَأَ، فَأَتَحَرَّرُ مِنْ ذَاتِي الَّتِي لَمْ أَعُدْ أَعْرِفُهَا، وَأَتَجَدَّدُ مِنْ ظَلَامِ الذَّاكِرَةِ وَأُلَامِسُ نُورًا عَمِيقًا، شُرُوقًا لَا يَعْرِفُ غُرُوبًا، كَأَنَّهُ شَمْسٌ وُجِدَتْ لِتُضِيءَ لِي دَرْبِي وَحْدِي......

أُرِيدُ حُبًّا يَقُودُنِي مِنْ زَوَايَا قَلْبِي الْمُعْتِمَةِ، حَيْثُ لَا يَعِيشُ إِلَّا الشُّكُوكُ وَالْخَوْفُ، إِلَى أَرْضٍ تَمْتَلِئُ بِالْأَلْوَانِ وَالْحَيَاةِ، حَيْثُ الْأَخْضَرُ يَكْسُو الْأَرْضَ، وَالزُّهُورُ تَتَرَاقَصُ فِي الْهَوَاءِ، تَمْلَأُنِي بِنَضَارَتِهَا وَبَهَائِهَا، فَيَتَدَاخَلُ فِي قَلْبِي عَبِيرُهَا كَشَذَى يَسْرِي فِي عُرُوقِي، فَأَجِدُنِي مُكْتَمِلًا، كَمَنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَرْوِي الرُّوحَ وَيُسْكِنُ الْعَقْلَ........

أَبْحَثُ عَنْ حُبٍّ، حُبٍّ يَجْعَلُنِي أَرْتَشِفُ السَّلَامَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، حُبٍّ يَغْمُرُنِي بِلُطْفٍ لَمْ أَعْهَدْهُ، يُسْكِبُ فِي قَلْبِي سَكِينَةً كَنَسِيمٍ عَلِيلٍ يَأْتِي لِيَهْمِسَ لِي بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ.......

أَحْتَاجُ إِلَى حُبٍّ يَنْقُلُنِي مِنْ ضَوْضَاءِ الْأَيَّامِ وَصَخَبِ التَّفْكِيرِ، مِنْ تِلْكَ الْأَصْوَاتِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ إِلَّا الْفَقْدَ وَالْوَحْشَةَ، إِلَى وَاحَةٍ مِنَ الْهُدُوءِ، وَاحَةٍ أُغْلِقُ عَلَيْهَا الْعَالَمَ وَمَا فِيهِ، وَأَبْقَى فِيهَا أَنَا وَذَاكَ الْحُبُّ وَحْدَهُ. أَرْغَبُ فِي حُبٍّ يُمَنِّحُنِي رَاحَةً كَأَنَّنِي أَخِيرًا وَصَلْتُ، وَأُغْلِقُ عَلَيَّ أَبْوَابَهُ فَأَعِيشُ فِي سَلَامٍ دَاخِلِيٍّ يُشْبِهُ الْحُلُمَ.......

Lady De Jorgia Where stories live. Discover now