الفصل التاسع : الوريثة

827 53 210
                                    

ثم ماذا؟
بعد نهارٍ شائك، بعد يومٍ متذبذب، وأحلام مبعثرة على الطاولة؛ مواقف متشابكة، وآمال خائبة، أجد نفسي آوي إلى فراشي. أشعر بأنه الوحيد الذي يشاركني خيبتي، آلامي، وآمالي. هو الملجأ الذي أجد فيه السكينة المؤقتة، ذلك الركن الهادئ الذي يستمع إلى أفكاري بصبرٍ لا ينفد، يلتقط أنفاسي الثقيلة ويربت على روحي الممزقة........

أعجب من تماسك ذلك الشخص القوي، ذلك الشخص الذي أراه في المرآة كل صباح، وأتساءل كيف يتمكن من الاستمرار. كيف يصمد أمام الرياح العاتية، أمام صدمات الحياة المتتالية؟ لكن في ليلة حالكة الظلام، حين تنطفئ الأنوار وتُسدل الستائر، يظهر ذلك الضعف الخفي، يتجلى الانكسار في عينيه، وتنهار جدران الصلابة التي بناها بعناية. أي ألمٍ هذا الذي أطاح به؟ وأي جروح عميقة تنزف في الخفاء ؟ .......

أراه مستلقيًا على فراشه، يحاول عبثًا أن يجد النوم. الأفكار تطارده، الذكريات تلح عليه، والآلام تشتد في صمت الليل. يحاول الهروب منها، يغرق في بحرٍ من الوساوس، يبحث عن راحة ولا يجدها. يتقلب يمينًا ويسارًا، وكأن الفراش يضيق به، وكأن الأحلام المبعثرة على الطاولة تحولت إلى كوابيس تطارده. .......

ثم يأتي الصباح، وتشرق الشمس لتكشف عن وجهٍ آخر، وجه يحمل ملامح القوة والصلابة. ينهض من فراشه وكأن شيئًا لم يكن، يجمع شتات نفسه، ويرتدي قناع القوة مجددًا. يتجهز لمواجهة يوم جديد، يتسلح بالأمل، ولو كان أملًا هشًا. يتحدى الألم الذي يسكن في أعماقه، ويخطو بخطوات ثابتة نحو الحياة، مصممًا على ألا ينكسر، على ألا يستسلم........

لكنني أراه، أرى ذلك الشخص القوي الذي يتخاوى في الليل، وأعلم أن خلف كل ابتسامة يخبئ جرحًا، وخلف كل نظرة يخفي دمعة. أعلم أن القوة التي يظهرها هي قناع يرتديه ليخفي هشاشته، وأن الفراش الذي يحتضنه كل ليلة هو شاهدٌ على معاناته. أتعجب من قوته، وأحترم ضعفه، وأتمنى له السكينة التي يبحث عنها........

الفقدان والألم جزء من حياته ، لكنهما لا يسيطران عليه. يستمد القوة من الضعف، يجد في كل انكسار فرصة للنهوض من جديد. إنه يعلمني أن الحياة تستمر، وأن الألم لا يدوم. أنه رغم كل شيء، يمكننا أن نجد في أنفسنا القوة لمواجهة كل يوم جديد، وأن نجد في خيباتنا دروسًا نتعلم منها، وفي آلامنا مصدرًا للقوة.....

..............................................................

روبي

قبل سبع سنوات

حملت حقيبتي الجلدية بنية اللون بيدين ترتجفان من لسعات البرد و إنطلقت إلى الميناء المتواجد على أطراف المملكة ، كان من الصعب علي ترك القرية التي نشأت فيها وعشت فيها مع عائلتي حتى وإن لم تكن أيامي معهم سعيدة ، لكن الأن لم يعد لدي عائلة ، و لن أستطيع العيش في هذا الجحيم طوال حياتي ، أحيانا يكون الهرب هو الحل الوحيد المتبقي أمام المرء هذا ما فكرت فيه وأنا أسلم تذكرة السفينة إلى قاطع التذاكر، من الجيد أن أموالي المتبقية قد كانت كافية لشرائها ......

Lady De Jorgia Where stories live. Discover now