الفصل 14 : ماركيزة الغابة

468 32 157
                                    

شُعُورٌ بَهِيٌّ يَغْمُرُ القَلْبَ كَمَا تَغْمُرُ الشَّمْسُ الْأَرْضَ بِنُورِهَا فِي صَبَاحٍ هَادِئٍ، حَيْثُ تَشْعُرُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ حَوْلِكِ مَغْلُوفٌ بِسِحْرٍ خَاصٍّ. تَفْتَحِينَ عَيْنَيْكِ لِتَجِدِي نَفْسَكِ فِي عَالَمٍ يَمْتَلِئُ بِالذِّكْرَيَاتِ وَالْمَشَاعِرِ الَّتِي كُنْتِ تَعِيشِينَ فِي طَيَّاتِهَا بِالأَمْسِ. كَانَ يَكُونُ الْحُلْمُ يَتَجَسَّدُ فِي لَحَظَاتٍ مِنَ السَّكِينَةِ، حَيْثُ تَجِدِينَ نَفْسَكِ تَسِيرِينَ بَيْنَ الضَّبَابِ، تَتَجَوَّلِينَ بَيْنَ أَفْكَارِكِ وَأَحْلَامِكِ، تَابِعَةً طَرِيقًا لَمْ تَكُونِي مُتَأَكِّدَةً إِلَى أَيْنَ يَقُودُكِ.

فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْكِ بِثِقَلٍ، كَانَتْ الْحَيَاةُ تَبْدُو كَأَنَّهَا مَلِيئَةٌ بِالضَّبَابِ الرَّمَادِيِّ الَّذِي يُغَطِّي كُلَّ شَيْءٍ، كَأَنَّكَ فِي لَيْلَةٍ طَوِيلَةٍ بِلَا نِهَايَةٍ. كُنْتِ تَعْبُرِينَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْمُتَرَاكِمَةِ دَاخِلَكِ، حَامِلَةً عَلَى عَاتِقِكِ أَحْمَالًا لَا يَرَاهَا أَحَدٌ غَيْرَكِ. وَمَعَ ذَلِكَ، كُنْتِ تَبْتَسِمِينَ، وَلَا أَحَدٌ كَانَ يَعْلَمُ مَا تُخْفِيهِ تِلْكَ الِابْتِسَامَةُ، كَانَتْ تِلْكَ الِابْتِسَامَةُ هِيَ مَلَاذُكِ الْخَاصُّ، وَدِفَاعُكِ فِي وَجْهِ الْحَيَاةِ.

كُنْتُ أَرَاكِ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَنَا أَرْتَقِبُ كُلَّ لَحْظَةٍ تُظْهِرِينَ فِيهَا تِلْكَ الِابْتِسَامَةَ، كَانَتْ تَبْدُو لِي كَمَا لَوْ أَنَّكِ تَحْمِلِينَ عَالَمًا بَيْنَ طَيَّاتِ قَلْبِكِ، مِلْيءً بِالأَلْوَانِ وَالتَّفَاصِيلِ الَّتِي لَا يَرَاهَا أَحَدٌ سِوَاكِ. فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَتْ عَيْنَايَ تَقَعَانِ عَلَى وَجْهِكِ، كُنْتُ أَرَى كُلَّ مَا تَحْمِلِينَ مِنْ أَحْلَامٍ وَآلَامٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ، كُنْتِ تَبْتَسِمِينَ، كَأَنَّ تِلْكَ الِابْتِسَامَةَ هِيَ كَلِمَتُكِ الْخَاصَّةُ لِلْعَالَمِ، لِتُخْبِرِينَا أَنَّكِ مَا زِلْتِ تَقِفِينَ وَمَا زِلْتِ تَسِيرِينَ.

فِي كُلِّ مَرَّةٍ كُنْتِ تَتَجَاوَزِينَ تِلْكَ الصِّعَابَ، كُنْتِ تَصْنَعِينَ مِنْ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ دَرْسًا جَدِيدًا، كَأَنَّكِ تَبْنِينَ بِالصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ جِدَارًا يُحَاوِلُ أَنْ يَحْمِيَكِ مِنْ كُلِّ مَا يُحَاوِلُ أَنْ يُسْقِطَكِ. وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ، كَانَ جِدَارُكِ يَكْبُرُ وَيَقْوَى، حَتَّى أَصْبَحَتْ تِلْكَ اللَّحَظَاتُ مَاضِيًا لَا يَزِيدُكِ إِلَّا قُوَّةً وَصُمُودًا.

أَمَّا الْآنَ، فَقَدْ تَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءٍ، وَبَدَا كَأَنَّكِ تَسْتَرِدِّينَ مَا فَقَدْتِهِ مِنْ أَلْوَانٍ. لَقَدِ انْتَقَلْتِ مِنْ تِلْكَ الْعَتَمَةِ إِلَى عَالَمٍ مِلْيءٍ بِالنُّورِ. شَعْرُكِ الَّذِي كَانَ يَنْسَابُ بِرِفْقٍ، يُلَمِّعُهُ ضَوْءُ الشَّمْسِ، كُلُّ خَصْلَةٍ تَحْمِلُ بَرِيقًا خَاصًّا كَأَنَّهَا تَتَحَدَّثُ بِلُغَةِ الضَّوْءِ. تِلْكَ النَّظَرَةُ فِي عَيْنَيْكِ الَّتِي كَانَتْ مِلْيئَةً بِالأَلْغَازِ وَالتَّعَبِ، أَصْبَحَتِ الْآنَ تَشْعُرُ بِالدِّفْءِ، وَكَأَنَّهَا تَرَكْتِ كُلَّ مَا كَانَ يُثْقِلُكِ وَنَظَرْتِ إِلَى الْحَيَاةِ بِنَظْرَةٍ جَدِيدَةٍ.

Lady De Jorgia Where stories live. Discover now