يومٌ جديدٌ يبدأ، وأنا كعادتي أبدو مرهقًا من كل شيء، أنظر لنفسي في مرآة الحمام مشمئزًا من كل ما تقع على عيناي؛ ذلك القرمزي المبهم في ناظري، الهالات السوداء التي تكدست بعد ليالي طويلة من الأرق ، الحائط الرطب يماثل حوائط قلبي الأربعة ، رطبةٌ من أثر نفسي المتقطرة وبحرها الهائج المضطرب. تدريجيا ، تبدو أمامي أحداث مبهمة من حلمي الليلة الفائتة، أركض على غير عادتي، أركض بكل ما أوتيت من قوة وكأنني لم أعد بشريا بل وحش من نوع ما، أركض من أزقة إلى أخرى
-هذا ما تبدو عليه على الأحرى-
وكأنني بحاجةٍ إلى ملاذ آمن، ملامحي مرتعدة وتكاد أذناي تنفجران من دقات قلبي، لم أعد أشعر بقدماي بل أستمر في الركض وإن شعرتُ بالاختناق حتى تتسرب مني آخر أنفاسي لتظهر أمامي في مرآة الحمام في عودة للواقع مرة أخرى ، يتناثر الزجاج حيث عنق ذلك الخيال ، تؤلمني يدي ولكنني لا أبالي ، أرى تلك العيون تحدق بي ، لا أفهم أي نوع من المشاعر تحمله تلك العيون .......
أستمر بالتحديق بها وأرى في ذلك اللون البني أُلفةً غريبة ، أحاول الفهم لعلي أدرك ما كنت أهرب منه سابقا... أكنتُ أستدعي خبرات هربي المتكررة؟ أيها كنتُ أحاكي في حلم الليلة الفائتة ، هروبي من القصر في سن الثالثة عشر ؟ أم هروبي من قسوة و جفاء والدي؟ ربما كان هروبي من الذنب الذي أشعر به ؟
إن ركضتُّ الآن نحو حياةٍ أخرى داخل رأسي البائس ، فما جريمتي؟
..............................................................
كاليستابعد خمسة عشر يوما
جلست على الكرسي الخشبي في زاوية الغرفة الخاصة بي ، و أمسكت بين يدي ألة الكمان، تحسست ببطئ أوتارها الرقيقة و بنيتها الخشبية ، أمسكتها بحذر كأنها قطعة من روحي و طالعت الغرفة من حولي بهدوء ، كانت الغرفة مضاءة بضوء خافت يتسلل من الشرفة ، يتراقص على الجدران المليئة باللوحات و عبق الذكريات التي صنعتها في هذا المكان ، و قد حمل الجو رائحة المطر الطازجة التي تناثرت في الأرجاء كلها ممتزجة بعطر الزهور الجافة المنتشرة على رفوف الكتب ......
يا إلهي كم أحببت هذه الغرفة وكل مافيها ، بداية من كتبي نهاية إلى ألة الكمان التي تقبع بين يدي ................................
أمسكت بالكمان و رفعته قليلا إلى موضع مناسب لي و مررت القوس مع أناملي التي إنسابت برفق على الأوتار، لتخرج منها نغمات هادئة ملأت المكان بشعور من الدفئ و الحنين إلى أمور كثيرة ، أغمضت عيناي بهدوء ، و أبحرت في أعماق بحر الموسيقى التي دغدغت كل حواسي ، إستشعرت كل نغمة وكل لحن إنبعث من الكمان و شعرت و كأن كل جزء منه يروي قصة أو جزءا من حياتي ، كأن الكمان هو لسان حالي ، يعبر عن كل ما يجول في خاطري من مشاعر و أفكار، أشياء كثيرة يصعب علي أحيانا التعبير عنها بالكلمات .......
YOU ARE READING
Lady De Jorgia
Historical Fictionشَعر بني كشلالٍ من الشوكولاته...عُيون خضراءٌ لامعةٌ... رمزُ الجمالِ النابع من الطَبيعة.... فَتاة عاشَت تحت كنفِ وَالدهَا المُحب .... ذكِية بمَا يكفِي لتَعرف أنهاَ مُميزة أو لنقُل مختلفَة.... مبادئٌ ثابتَة فِي زَمن كَانت المبادئُ فِيه مجَرد كلامٍ...