في طريق الأحلام قد يضحي المرء بالآف الأشياء، أحلام الشباب يدفعها التهور والمجازفة، قد يبدو التهور أحيانًا مخيف، ولكن بلا تهور لا توجد قصة، وحياتنا قصة كبيرة، نخط سطورها يوميًا منذ أن تشرق عينينا ببريق الأمل صباحًا حتى تحل تلك الغشاوة الرقيقة من الدموع على عيننا مساءًا! ولكن، بعض الأحلام تُحال كوابيس أحيانًا حتى يغدو الواقع الذي نحياه كابوسًا ومهما حاولنا لا نستفيق منه أبدًا! كان يرى حاله في حديقة واسعة، شاب في الثامنة عشر في ريعان شبابه وفي مقتبل العمر، عسلي العينين بملامح في غاية الوسامة وكأنه ينتمي إلى عصرٍ قديم، حيث كانت ملامحه أشبه بمنحوته يونانية رائعة! كان يجلس أرضًا يفترش العشب الأخضر الذي تُسَر العينين برؤيته، وبجانبه جلست والدته بملامحها الحنونة، تطعمه بيدها الحنونة، ببسمة حنونة، وكأنها في نظراتها تحمد الله آلاف المرات لأنها أنجبت صبي مثله، صغيرها الوحيد والمدلل أحيانًا وعلى الرغم من دلاله إلا أن تحمله بالمسؤولية يتفوق! حانت منه نظرة إلى والده بجانبه، بملامحه التي تتأرجح بمهارة بين الشدة واللين، التقت عيناهما فإبتسم والده إليه بفخر، فخر لطالما أشعره بأنه أسعد مخلوق وُجد على وجه الأرض، أعاد بصره إلى والدته ولكن تلك المرة لم تطالعه بحنان بل عينيها امتلأت بالهلع حينها فعقد هو حاجبيه بتعجب من نظراتها الخائفة وحين التقت نظراتهما صرخت هي به وقد انتقل الهلع إلى صوتها وهي تردد في نبرة تحذيرية :-علي!!
فتح علي عينيه مستيقظًا من ذاك الحلم الذي لم يفكر في تفسيره سريعًا وهو يمسك بيد ذلك الرجل الذي امتدت نحوه بسكين صغير ينتوي قتـ.له أثناء نومه، جحظت عينيّ الرجل عندما التقت بعيني علي الذي استيقظ للتو واظلمت عيناه ذات لون العسل في تهديد صريح وهو يمسك بكف الرجل يكاد يهشمه، حينها قال علي في هدوء :
-عايز تقتـ.لني خليك راجل واعملها وانا صاحي
وحينها وثب من فراشه وفي حركة واحدة أسقط السكين من يد الرجل قبل أن يصيبه في جبهته بقوة كادت أن تسقطه أرضًا عندما اختل توازنه، انتقلت النظرات إليهما سريعًا في تلك الغرفة المكتظة بالرجال وحينها صاح أحدهم قائلًا :
-كامل حاول يقتـ.ل المعلم علي يارجالة!
وثب الجميع فجأة، بين مؤيد ومعارض بينما أستمر علي في مبارزة كامل وكما المتوقع أظهر علي تفوقًا باهرًا، تفوقًا يليق بلقبه الذي أطلقه عليه زملاء الزنزانة! وفي جزء من الثانية تحولت الغرفة الكبيرة إلى ساحة معركة وصيحات الرجال تتعالي بين تارة والأخرى والد.ماء تتناثر من حولهم حتى ركض حراس السجن إليهم، أقبلوا على الداخل مسرعين يفضون الشجار في حزم فتوقف الشجار فجأة كما بدأ فجأة، ليس لأجل رجال الشرطة، بل حين قال علي آمرًا :
-خلاص يارجالة!
وقف الجميع احتراماً للرجل ذو الهيبة الذي أقبل على الزنزانة، الجميع عدا علي الذي عاد يجلس على فراشه وكأن شيئًا لم يكن، دنا الرجل منه متأملًا وجوه الرجال من حوله، بعضهم نال من اللكمات ما سبب تورم في وجهه، والبعض الآخر كانوا بخير تمامًا فقط لأنهم أنصار علي! أكمل الضابط سيره تجاه علي حتى توقف أمام كامل الذي نال ضربًا مبرحًا، أمسك الضابط بذقن كامل يحرك وجهه يمينًا ويسارًا متأملًا إياه ثم قال ساخرًا :