الفصل الثالث

4 1 0
                                    


ساد صمتٌ ثقيل في الأجواء عقب الحديث الأخير الذي دار بينهم، سكنت ثورة غرام التي تأججت قبل القليل سرعان ما استمعت إلى مرافقها في الأيام الآتية، علي! قد ظنت أنها لن تلتقيه مجددًا فيبقى كالسراب في مخيلتها، ذلك السراب الذي لامسته لمرة فإلتقطت منه سترته حتى تبقى كالذكرى غير قابلة للنسيان! افاقت غرام من شرودها اللحظي على صوت صادق الذي هدر قائلًا في غضب :

-علي؟! ده اللي هتبقى مطمن على بنتك معاه ياعمي؟! واحد اصلا منعرفوش!
-علي شخص كويس وانا واثق فيه يا صادق، كفاية انه كان هيضحي بحياته عشانها في مرة وهو اصلا ميعرفهاش!

صمتت غرام تراقبهما، تلتزم حقها في الصمت بينما الجميع يتحدث عن مصير محتوم لها، مرر صادق أصابعه بين خصلات شعره في غضب شديد وهو يجوب المكان ذهابًا وإيابًا كأسد حبيس قفص يكاد يخنقه، توقف صادق لوهلة ثم نظر إلى غرام وقال غاضبًا :

-ما تقولي حاجة! مش انتي كنتي رافضة الموضوع ده
-وانا كلامي هيغير ايه يا صادق كدا كدا اللي بابا عايزه هيكون، وبعدين مش انت اصلا صاحب الفكرة! اتفضل بقي خلصنا منها لو تقدر

قالتها ثم قررت ممارسة حقها في التلاشي! صعدت إلى غرفتها مسرعة تحت أنظار كل من صادق ورياض الذي تنهد ثم جلس فوق مقعده القريب من مائدة الطعام وقال في هدوء :

-صحيح هي مش كانت فكرتك يا صادق؟! رافض ليه دلوقتي

دنا صادق منه ثم وضع كلتي يداه فوق الطاولة بعنف وقال بحدة مشددًا فوق كل حرف يتفوه به :

-عشان انا مش واثق فيه!

نظر رياض إلى عمق عينيه بهدوء صارم، ثم قال في عناد وثقة وهو لا يحيد ببصره عن عينيّ صادق :

-انا واثق فيه

رفع صادق كلتي يديه إلى رأسه لا يصدق ما يسمع، تفاقم غضبه فقرر الرحيل قبل أن يرتكب جريمة ما لذلك خرج من المنزل غاضبًا يكاد يحرق كل ما يقف في طريقه، تأمله رياض حتى رحل ثم ابتسم بلا مبالاة وهو يشرع في تناول طعامه
                                    * * *
وقف صالح برفقة صديقه في شرفة منزل عليّ الصغيرة يدخنان سويًا بينما يخبره علي بمطلب رياض الذي تعجب له ولكنه وافق، كان التعجب يظهر جليًا على وجه صالح مع كل كلمة يتفوه بها علي حتى انتهى من حديثه وحينها نفث صالح دخان سيجارته قبل أن يقول :

-غريبة دي! هتشتغل مع بنت الحاج رياض مرة واحدة كدا! انا افتكرتك هترفض

نظر علي إلى صديقه وهو يدخن سيجارته في بطئ وشرود، بلى صالح محق، كان سيرفض وبداخله غضب ما بأنه ليس جليسًا للأطفال البالغين ولكنه تراجع عن قراره فجأة فهذا السبيل الوحيد لرؤيتها، وهذا التبرير الوحيد الذي لن يصرح عنه أبدًا لذلك قال :

-الراجل كان مُصر، وبعدين انا حسيت انه واثق فيا اوي عشان يوكلني مهمة زي دي، مرضتش ازعله يعني
-مرضتش تزعله برضو؟!

غرام العليّ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن