الفصل الثاني

3 2 0
                                    


لا يدرى كم مر من الوقت وهو مغمض العينين، يغفو ربما ولكن بلا أحلام، حتى الأحلام كانت تخاصمه وكأنها تخبره بأن لا حياة لك سوى الواقع المرير بكافة معانيه، ربما في بعض الأحيان يملك المرء زمام حياته وواقعه، فأحيانا يصبح الواقع أشد حلاوًة من حلم جميل! فتح علي عينيه ببطئ شديد، لا يذكر أين هو او ما حدث، ولكن سرعان ما التقت عيناه بسقف حجرة ما تذكر فجأة ما حدث دفعة واحدة، وأكثر ما كان غير قابل للنسيان كانت تلك العينان الذي التقت بهما عيناه حين تناهي إلى مسامعه صوتها الرقيق قائلًة :

-حمد الله على سلامتك

نظر علي إليها بإمعان، هي تلك الفتاة ذاتها، الفتاة التي ظنها حلمًا جميلًا! ولكن شتان بين حالتها في الأمس وحالتها الان وهي تجلس بجانبه على حافة فراش المشفى مبتسمة برقة وعذوبة كعذوبة المياه في جوف الرحالة الذي ضل طريقه في الصحراء وعثر اخيرًا على بئر يروي ظمأه، كانت قد جمعت شعرها الأسود المتموج موجات قليلة على هيئة ذيل حصان بينما اكتفت أن تترك غُرتها المصففة بعناية على جانبيّ وجهها وما زادها حلاوًة كانت وجنتها التي تصبغت بالأحمر الآن عندما طال نظره في عينيها، عينيها الأشبه بمزيج بين سكون الليل وأمواج البحر الثائرة! أخيراً استعاد قدرته على الحديث عندما اخفضت وجهها بخجل تتحاشي نظراته فقال هو :

-انتي كويسة؟!

رفعت وجهها إليه مجددًا مبتسمة بينما تشابكت اصابعها في توتر، في تلك اللحظة أدرك علي أنهما لم يكونا بمفردهما، الدقائق السابقة فقط من اشعرته انه برفقتها في حلم جميل، حلم استفاق منه عندما وضع أحدهم يده فوق كتف الفتاة البهية فرفع علي بصره على الفور إلى الرجل الواقف بجانبها وحينها اصابته دهشة حقيقية وهو يرى رياض أمامه مبتسمًا هو الآخر، قال رياض فور أن نظر علي إليه :

-انا مش عارف أشكرك ازاي يا علي، مفيش اي حاجة تقدر توفيك حق شهامتك وجدعنتك مع بنتي، انا حقيقي ممتن ليك

ابنته! الآن أدرك أنها حلم جميل حقاً، حلم جميل يجب أن يستفيق منه الآن وحالًا، ولكن ما ضير نظرة أخيرة إلى الحلم الجميل؟! نظر علي إلى الفتاة التي كانت تناظره من الأساس ولكنها سرعان ما التقت أعينهما مجددًا أطرقت برأسها في خجل، اعتدل علي في جلسته احتراماً لرياض الواقف ولكنه سرعان ما تحرك حتى استبد الألم به وتأوه رغمًا عنه فرفعت الفتاة بصرها إليه مجددًا وتلك المرة نهضت لتضع وسادة خلفه حتى يجلس مرتاحًا أكثر قائلًة :

-انا آسفة حقيقي اني اتسببتلك بالأذي ده
-مفيش أي داعي للأسف يا آنسة..

صمت لوهلة علها تمن عليه بإسمها، وقد فعلت بعدما عادت تقف بجانب والدها الذي وضع يده على كتفها مقربًا إياها من احضانه فقالت هي مبتسمة :

-غرام

وكم بدى اسمها رقيقًا كهيئتها! أزدرد علي ريقه وهو يبعد بصره عنها عنوة ليعود إلى رياض قائلًا في بسمة :

غرام العليّ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن