الفصل الثامن

0 0 0
                                    


في اليوم التالي رقتها كانت تماثل الفراشات حتى انها ظنت سيرها في الطرقات شابه تحليق الفراشات في عنان السماء، سماء الحب، حتى الآن لا تصدق بتلك المعجزة التي تحققت فجأة، قُرأت فاتحتها على من تحب وتتمنى، صالح! انقذها من ليلة بائسة ليصبح هو بطل ليلتها وكافة الليالي كما أعتاد أن يكون، الآن والآن فقط يمكنها أن تحبه بلا ندم وبلا قيود، كانت تسير تجاه منزلها مبتسمة وهي تحمل بعض المشتريات إلا أنها توقفت عندما استمعت إلى صوته الحبيب، ظنت أنها تتخيل طيفه يلاحقها بعد ذلك التفكير المفرط به إلا أنه ظهر أمامها حقًا فإزدادت بسمتها اتساعًا وهو يحمل عنها الأكياس قائلًا :

-وحشتيني

ابتسمت وخجلت فأشاحت بوجهها عنه، وفي إشاحه وجهها شمس تغرب عن سماء حبه فتحل العتمة، تلك العتمة التي لا يبددها سوى نظرة عينيها إليه! سارت عائشة بجانبه في صمت والخجل يكسو ملامحها فحينها تنهد صالح يائسًا من أن تعيد النظر إليه فقال :

-طب مش هتقوليلي وانت كمان على الأقل
-وانت كمان ايه؟!

توقف عن السير هو ثم أمسك بذراعها بخفة يديرها نحوه، التقت عيناهما مجددًا فإبتسم، عادت شمس حبه تتوهج بل وتشتعل حتى أن لا شك في أن حرارة عيناه هي ما سببت تلك الحمرة الخفيفة فوق وجنتيها! قال صالح هائمًا بعد برهة من الصمت بعدما ابعد يده عن ذراعها :

-وانت كمان وحشتني

ازدادت الحمرة في وجنتها وبسمة خائنة كللت ثغرها لذلك أمسكت بوشاحها تضعه فوق فمها وهي تحيد ببصرها بعيدًا عنه مجددًا قائلة بصوتٍ خفيض اثر الخجل :

-بس ياصالح عيب!
-عيب ايه يابت ده انا قاري فاتحتك!
-إنشالله تكون قاري المصحف كله ياصالح، ميصحش برضو!

ضحك صالح بخفة فأعادت بصرها إليه تلك المرة فقال مبتسمًا :

-ماشي ياعيشة لما نشوف اخرتها معاكي

ابتسمت هي الأخرى ثم تابعت سيرها تلك المرة، لا تريد أن تتأمل عيناه أكثر فيذوب قلبها تماماً، يبدو أن حرارة الشمس التي تشرقها هي بداخله كانت تحرقها من خلال نظراته! ابتسمت عائشة بخجل من أفكارها ونبضات قلبها المتسارعة لكنها أرادت أن تتحدث، لا تريد لحديثهما أن ينتهي بتلك السرعة وأن يسرقه الصمت منها لذلك قالت مبتسمة وقد تزايد خجلها :

-لما تبقى جوزي هبقي اقولك
-تقوليلي ايه؟
-وانت كمان وحشتني

قالتها بصوتٍ خفيض للغاية حتى أنها ظنت أنه لم يسمع ولكنها حين استرقت النظر إليه وجدته يبتسم في صمت، وكانت بسمته خير دليل على أنه قد سمعها! مضى صالح برفقتها باقية الطريق في صمت، الساذجة لا تدرك أنها أخبرته بما ودّ ان يسمع من الأساس! لذلك كان يبتسم، في تلك الفتاة براءة لم يرَها سابقًا، وكأنها خُلقت لتنافس المياه في نقاءها، وكأنها خلقت حتى لا يعشق قلبه إلاها!
                                   * * *
مؤخرًا لم يكن يصدق ذلك الحلم الكبير الذي يحياه، والذي من كثرة ما طال ظنه واقعًا لا مفر منه! من كان يصدق أن يجلس من هو مثله في منزل رائع كمنزل رياض ليشاركه وابنته طعام الغداء! ابتسم علي بشرود وهو يتذكر عزيمة رياض له والذي لم يستطع رفضها بكل تأكيد، ولماذا يرفض! ربما عقله كان يؤنبه في بعض الأحيان، يخشى الإستمرار في الإبحار في ذلك الحلم الرائع لإدراكه بأن سفينته مثقوبة، ولكنه يغامر، خُلقنا لنغامر، لا حياة بلا مغامرة! كانت غرام تسترق النظر إليه بين تارة والأخرى مبتسمة، حتى في شروده بدى وسيمًا كمنحوتة إغريقية رائعة! حتى هي كانت لا تصدق حلاوة الأيام العذبة، علي هنا في منزلها يشاركها الطعام بينما صادق غائبًا، يالسعادة ما تحياه! نقل رياض بصره بينهما مبتسمًا وحين شعر بشرود علي قال :

غرام العليّ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن