عاد إلى منزله بعدما أثلج صدره بريق الأمل والنصر، باح لرضوان بمكنون صدره ورغبته في انتقام يشفي علة روحه فأخبره رضوان بأنه سينظر في الأمر، وحين ينظر رضوان في الأمر ذلك يعني الانتقام بحد ذاته، فكان الانتصار الأول في تلك الليلة، وأتى الانتصار الثاني على هيئة امرأة تقدره، كاميليا ابنة رضوان، قضى ليلته برفقتها كما يفعلان بين تارة والأخرى بعد أن عبرت عن اشتياقها له ثم رحل ليعود إلى منزله، مثواه الأخير مهما طال العبث، مازال يعلم أنه في قرارة نفسه يتغنى بحب غرام، أحبها حقًا ولكنها لم تحبه يومًا، تزوجها وهو يعلم أن طيف علي مازال يلاحقها وبمرور الأعوام أدرك أن طيف علي لا يتركها وكأنه شبح تلبّس روحها ورفض الخروج، في خروجه موتها بلا شك، اكثر ما كان يغضبه انها فضلت علي عليه، اختارته بمحض ارادتها وطالعته بعشق بينما كانت مُجبرة على صادق دائمًا ولا تنظر إليه سوى نظرة حقد وكراهية، كان يخونها منذ أيام زواجهما الأولى وكانت تعرف لكنها لم تبالِ يومًا وذلك ما كان يغضبه اكثر، كان يبحث عن ذاته بين أحضان النساء بعدما تبعثرت كرامته على أعتاب حب امرأة لا ترى في الكون بأكمله سوى رجلًا واحدًا، رجلًا لطالما تمنى له الهلاك! ولكن كاميليا تختلف عن كافة النساء اللاتي عرفهن، وحدها من تدرك ذلك الحقد في قلبه بل وتحبه، يخشاها أحيانًا فهي ماكرة ومخادعة بلا شك ولكنه يحب حاله برفقتها، يحب صورته في عينيها، تشعره بأنه بلا نقصان بينما في عينيّ غرام لا يرى سوى بقايا رجل احبته يومًا أما عنه فلا مكان له في عينيها! أقبل على غرفتهما فكانت تغط في نوم عميق، نوم مريح دون وجود صادق، تأمل ملامح وجهها الحزينة حتى في نومها وبدأ الندم يساوره على خيانته ولكن أليست هي الأخرى خائنة؟! ألم تكن تعشق علي حتى الآن بل وربمًا تحلم به الآن!! تذكر حديثه قبل ساعات فإشتعل غضبًا مجددًا ثم تذكر بعض حديث رضوان الذي كان قد عزم على تنفيذه في الصباح ولكن وسط غضبه من حديث علي الآن فلا داعي للتأني، كانت تغفو قريرة العينين حتى استيقظت وشهقت فزعًا وقد أطبق صادق على خصلات شعرها ليجعلها تنهض، تعجبت غرام فأي جرم ارتكبته أثناء نومها! نظرت إليه بعينين متسعتين وكأنها تسأله عما يحدث لذلك قال هو :
-اسمعي ياغرام، اقسم بالله لو حاولتي بس مجرد محاولة انك تقولي لعلي على ابنه هيكون اخر يوم في عمر المحروس ابنك، سامعة ولا لا!
كانت لاتزال جاحظة العينين وأثار النوم تعبث بعقلها فلا تكاد تعلم هل ما تحياه حقيقة ام مازالت تحلم وعندما لمح صادق البلاهة في عينيها هزهها بعنف وهو مازال مطبقًا فوق خصلات شعرها وردد مجددًا :
-سامعة ولا لا!!
وتلك المرة حركت رأسها إجابة بنعم عدة مرات فتركها صادق بعنف وأقبل على المرحاض الملحق بغرفتهما، جلست غرام فوق فراشها تضع يدها فوق قلبها المذعور وتحاول التقاط أنفاسها، ما الدّاعي لحديثه الآن! كانت تعرف أنه لم يكن مجرد تهديدًا أحمق بل تثق تمام الثقة من أن صادق قد ينفذ تهديده إن أخبرت علي بأمر بلال، تواثب قلبها فزعًا من جديد فغادرت الغرفة تطمئن على صغيرها، كان يغفو في هدوء فتنفست غرام الصعداء عند رؤيته، أبعدت خصلات شعره الأسود عن جبينه في حنان ثم طبعت قبلة على وجنته وعادت إلى غرفتها من جديد وحاولت العودة إلى النوم ولكن هيهات، أي نوم قد يأتيها بعدما هددها صادق بقـ.تل صغيرها!
* * *
وقف علي في حديقة منزل فيروز حيث يحيا وكان يدخن سيجارته بصمت، تلك الليلة خاصمه النوم تمامًا، وكيف يأتيه وهو يعلم أن حبيبته بين أحضان اخر، بين أحضان صادق! كذب عندما أظهر أنه لا يعنيه أمرها بل كانت تعنيه وبشدة، كيف لها أن تنقد عهدًا قطعته له بتلك السهولة، كيف لقلب المحب أن يخدع! هل احبته يومًا من الأساس! في السابق كان يتأكد من صدق حبها اما الآن فما عاد يميز الحقيقة من الإدعاء، ربما لم تحبه غرام يومًا من الأساس! آفاق من شروده عندما احتضنت فيروز ذراعه مفتول العضلات واسندت رأسها إلى كتفه، نظر إليها ونظرت إليه، كان بوجهها الأبيض حُمرة خفيفة تشي بإستيقاظها من النوم للتو، كان شعرها الأشقر مجموعًا في أعلى رأسها بهيئة مبعثرة زادتها جاذبية أما عينيها الفيروزيتين كانت تغوي حتى أعتى الرجال، في عينيها سحر لا يستطيع أحد مقاومته إلا علي التي ألقت غرام على قلبه تعويذة الحب فيما مضى، طال تأمله بوجهها الحسن فإبتسمت، يعرف بأنها تحبه بل وتعشقه حد الجنون ولكن كيف لأطلال قلبه أن تشاركها الحب! فيروز تذكره بحورية البحر شديدة الحُسن والبهاء، قد تكون أسطورة لا وجود لها وفي حبها هلاك، وربما نجاة من يعلم! عندما طال الصمت ابتسمت فيروز فزادتها البسمة حُسناً ثم قالت بمرح :