جوفاني
"أخي ، كلّ شيء سيتحسّن"
الهواء يثقل من حولي و لم أجد بعد طريقة فعّالة للتّخفيف من اتّقاد الألم بداخلي سوى التّشبّث بأصابعي حول غطاء السّرير الّذي أجلس عليه ، ماثياس يقف أمام مباشرة و أحسّ بإنفصال وعيي عن الواقع تماما كلّما تردّد بداخلي صدى كلمات أبي ، و كلمات ماثياس ، و الحقيقة الأليمة و السّيّئة الّتي صُفِعتُ بها قبل قليل ...
الحياة أصبحت بائسة فجأة بطريقة لم أعهدها من قبل ، تفكيري مبعثر و لا أعرف من أين أبدأ التّرتيب ، كيف أستعيد هدوء أيّامي ... كيف أستعيد نفسي من كلّ ما يحدث من حولي ؟!
أختنق وسط أنفاسي و لا قدرة لي لتحريك ساكنٌ منّي ... قلّبي متحجّر تماما و الدّموع تأبى التّشكّل بداخل مقلتاي ، و ذلك لأنّني إفتقدتُ قدرتي على البكاء و التّعبير قبل أن أكتسبها حتّى ...
و أصبحتُ أتساءل مع نفسي إن كنتُ كائن بشري و لديه القدرة على التّعبير ... تعرّضتُ للكثير لكن خيبة كهذه لم أعهدها من قبل ...
"جوفاني !"
صوت ماثياس إنتشلني من اللّاواقع مجدّدًا ، و يده الّتي وُضِعَت على كتفي للتّوّ جعلتني أرفّ بجفني لوهلة ، و أرفع رأسي قليلا ، لِأتأكّد إن كنتُ على قيد الحياة ، إن كانت لديّ القدرة على التّحرّك ، حاولتُ الحديث لكن لساني مُلجَم تمامًا ، لا طاقة لي ...
"منذ أكثر من عشر دقائق و أنتَ صامت ، هل أنت بخير أخي ؟! أنا أعتذر حقًّا عن الطّريقة الهمجيّة و الغير مدروسة الّتي دسستُ بها الحقائق في عقلك ، لكن ..."
"عانقني !"
كلمتي البائسة و الخائرة قاطعت حديثه حين إنتصبت في وقفتي ، يرمش بغير فهم و شفاهه تفترق لوهلة ...
"أرجوكَ !"
أكرّر مصرًّا على طلبي ، أتوسّل بداخلي أن لا يرفض ، لم يسبق لي طلب عناق من شخص ما ، و لم يسبق لي طلب شيء ما من ماثياس بالتّحديد ...
لكنّه أومأ لي بسرعة و تقدّم ليجذبني إليه ، وضعتُ جبيني على كتفه و ذراعيه تلتفّان حولي و تشتدّان بقوّة أكثر ، و كأنّه يعتصر روحي من تلك الشّوائب الّتي تشوّهها ، يده تمسح على ظهري برفق و فجأة أحسستُ بثقلٍ عميق يقبض على قلبي دفعة واحدة ثمّ يُزاح بالتّدرّج كلّما زاد إشتداد عناقه لي ، و في المقابل إستسلمتُ لكلّ ذلك ، و حاولتُ البكاء لكن لم أستطع ، لم أستطع إفراغ ما يخنقني ، أنا فاشل حتّى في مواساة نفسي ...
"أعدكَ أنّ كلّ شيء سيكون بخير ، طالما سنكون معًا ، أنتَ لن تواجه كلّ ذلك بمفردك أخي ، أعدكَ أنّنا سنكون عائلة واحدة مجدّدًا ، نحن يجب أن نتخطّى كلّ شيء ، و هذا لا يعني أن تقمع ألمك ... عِشهُ بحذافيره كي تعود لنفسك أقوى بكثير"
أنت تقرأ
ماثياس | Mathias
Romantik" لم أعُد أعلم من أنا حقّا ! إن كانت هذه حقيقتي أم أنّها مجرّد نسخة خلّفتها لي الحياة بعدما استنزفت كلّ ما لديّ ..." "أحيانا قد لا نجد أنفسنا بمجرّد فعل ما نصبو من أجله ... قد يكون لنا سبيل لمعرفة من نكون حقّا بالمجازفة في مُنحدر مغاير لما اعتادته أ...