الفصل السادس عشر

35 21 1
                                    

صلوا على أشرف المرسلين

تصوبت + رأي
قراءة ممتعة
************************

جلت عجلة الزمن بحلكتها وترحالها، مخلفة وراءها رتابة الأيام التي مضت على الحميع.
فمن حهة كانت حياة شهاب ونور تسير في اعتيادية ملفوفة بطبيعية الأيام المنسابة، لا تحوم حولها غيوم المشاكل، باستثناء الفراغ الذي كان يستتر خلف غياب عمة صوت طفل يملأ أرجاء المنزل. نور بقناعة وإصرار قد طرحت رغبة الأمومة على مائدة شهاب مراراً، ولكنه كان يستتر خلف حجج الوقت غير المناسب، وفي دواخله ترسبات الشكوك التي خلفتها غرام تضارب صراعاً قادها إلى أن تدفع نور ثمن شكوك لم تزرعها.

تُطوق نور في قيد من الرصد المرهق، هاتف تُفتش رسائله، مراقبة تُلاحق خطاها، واتصالات تُفرط في الحراسة عليها كلما اخترقت باب البيت لعالم الخارج. شهاب الذي لم يكتف بسجن ثقته وخلفه لحصون الريبة، بل وسيَّج نور بالحذر والظنون التي ترشقها بالأسى.

تحلي نور بصمت الجبال، مستعصية على الاضطراب وصبرها تمتص زفراته بثوب من الحب، تؤمن بأن الوقت كفيل بأن يُبدد نور  كل ظلٍّ رمته غرام على قلب شهاب. فهي مشدودة إلى اعتقاد عميق بأن الأفق سيتضح يوماً ما، وسيزول اللبس عندما يُسفر على وجه الحقيقة الساطعة - تلك التي تبيّن أنها ليست بظل لغرام، وإنما نورٌ يستحق الاحتضان.

**

كما يمثل كنان وسيرين شيء ينسج حبالاً من تباينات متداخلة؛ تتراقص فيها خيوط الصبر على وقع نغمات المزاج المتقلب والمشبع بالانفعالات البركانية التي لا يتوانى كنان عن إظهارها. إنه كالسماء العاصفة، قوية بغيومها حيناً ولكنها قادرة على صفاء مُباغت. وهناك سيرين، بمهارة لا تخبو وبسخاء لا يحده حد، تمسك بحيز السكون داخل العاصفة، تعمل على ترطيب حدة كنان المذبذبة بإلحاح حنون، محاولة بتقنية مفعمة بالرجاء أن تذوب شظايا الجليد المتراكمة فوق قلبه، لعلها توقد به نار الرأفة والعطف على شقيقته غرام التي مازال يكابر عنها.

**

أما أنس وياسمين، فهما "دويتو العاطفة" الذي لطالما تأبط نغماته تناقضاً يشبه حركة الأوركسترا؛ مزيج من الإيقاعات المتنوعة والحميمة. تتأرجح حياتهما بين سلسلة المشاحنات العابرة واللحظات الهانئة التي تُجسّد أعذب المعزوفات الأسرية، وذلك مع كل بُعد وأفق جديد يُطل عليهما مع تطورات طفولة ولدهما، حيث تألقت ومضات الفرحة مع تتابع خطواته الأولى، كل خُطوة كانت إيماءة للبدايات الجديدة، وكل ضحكة صغيرة منه تجددت كأفقٍ زاهر ينشر في قلوبهم نوراً وأملاً.

كل ذاك الدفء يُزينه خبر حمل ياسمين الثاني، فقد حلّقت تلك البشرى مثلما يطير الطائر بين أرواح العائلة، محمّلاً بأجنحة البهجة والغبطة، فتتسابق القلوب داخل العائلة وحتى بين الأصدقاء في الشوق إلى ضم المولود القادم، وانتظار ذلك الملاك الصغير الذي سيرفع منسوب حبسة الأوكسجين في غرف الحياة باستنشاقه الأول، فتطوى صفحات الصبر بانتظار عناق ذاك الكائن الجديد الذي يكمل موسيقى الأسرة بأنغام حياة ترتشف القادم من الزمان بكأس يعج بالنعيم والسعادة.

غرام وانتقام عربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن