الفصل الأول

263 46 4
                                    

سيارة تنحدر عبر شوارع المدينة المتناثرة بأضواء خافتة، والتي تتسلل من مصابيح الشوارع والمنازل. تتوقف السيارة أمام منزل صغير وهادئ الطابع، تظلله أشجار الباحة الأمامية حيث تنتشر مجموعة من الشخصيات بمظهرها العفوي وملابسها الأنيقة.

يترك باب السيارة مفتوحاً ومنه يتدلى "شهاب"، شاب في زهوة عمره وإن كانت ملامحه الصارمة تعكس جدية غير معتادة. في وجوه الحاضرين تلوح علامات الدهشة مصحوبة بصمت ملؤه الحذر والاستفهام. يخطو "شهاب" بخطوات ثابتة نحو "غرام"، زوجته الواقفة عند مدخل الدار، وعلى وجهها تظهر علامات قلق تتعاظم مع اقترابه.

ترتسم على وجهه ابتسامة خافتة لا تبطن العاصفة الغاضبة المستعرة في باطنه. فيقول شهاب:
"لطالما راودتني صورة هذا البيت وهي تضيء بمعاني الكرامة والأخلاق. لكن، يبدو أن الأقنعة على وشك السقوط هذه الليلة، وواقع مرير على وشك الكشف."

يرد والد غرام (إبراهيم) بصوت مضطرب:
"ما الذي تلمح إليه يا شهاب؟"

شهاب يُوجِّه أصابع الاتهام بقوة:
"ألم تعلموا بما فعلته غرام؟ ألا تعرفوا كيف جلبت العار لنا جميعاً؟"

كأنما كانت كلماته زلزالًا يقسم الأرواح، تشيح "غرام" ببصرها صوب عائلتها. أعينهم تفصح عن ألف حكاية بصمت.

شقيق غرام (أنس) ينهض ووجهه متشنج:
"أي عار تتحدث عنه ياشهاب؟ ماذا فعلت غرام؟"

شهاب:
"أمامكم جميعاً أقف اليوم لأكشف النقاب عن حقيقةٍ موجعة؛ غرام، بكل أسف، لم تحفظ ودّ الحياة الزوجية، فقد تجاوزت حُرُمَات الصِّدق والإخلاص."

أنس بثبات:
"هذه اتهامات جسيمة يا شهاب، ولا يجب أن تُطلق بلا دليل. غرام ليست فقط أختي بل هي جزء من هذه العائلة، وعرضها لا يُمسّ بكلمات مرسلة في الهواء. إذا كان لديك دليل على ما تقول فلتقدمه هنا والآن!"

يعقب "شهاب" هائجاً بحدة:
"أمتلك بيَن يَديَّ براهين وأدلة تؤيد كل حرف منطوق من فمي، لكنني لا أنوي إضاعتها هباءً! الوقت سيأتي لكشف الستار عن الحقيقة، وحينها، بعينيكم الاثنين سترون ملامح الكذب والحقيقة. صمتي ليس خوفاً، إنما هو صبر للصيد في وقته."

تبتلع "غرام" دموعها، وهي تحتضن ذاتها وكبرياءها الذي أُصيب:
"لم أرتكب ما هو عار... لم أخل بالعقد."

ينكمش قلب "شهاب" للحظات، ولكنه يبقى منيعاً، وبينما تكاد الدموع تسلب منه ثباته، يلوح بنظرة بها الوداع بين الحضور، ثم يترك المكان بحزم.

تهب رياح صاخبة، يتطاير الستار ويُسمع صوت الباب ينغلق بقوة. أحد الأطفال يبكي، والنساء يهمسن بقلق، فأصواتهن كلمات مبهمة تسبح في الهواء.

الليل يلفّ المدينة والنجوم تتلألأ، والصمت المخيم على الدار يُرَوِّع أرواح أهلها.

****

غرام وانتقام عربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن