الفصل الثاني والعشرين

35 20 1
                                    

صلوا على أشرف المرسلين

تصوبت + رأي
قراءة ممتعة
************************

كان يتوسد ظهره على جلد مقعده العتيق، وقد أرسل رأسه إلى الخلف في استسلام تام للصمت المخيم في أرجاء المكتب. الأفكار كانت تختطفه إلى متاهات عميقة من الماضي، تارةً تلقي به في جلبة الذكريات المريرة التي باتت تحاصره كسحابة داكنة لا تنجلي. قلبه الذي زماناً كان يحمل لواء العشق بكل فخر، اليوم انهكته نيران الضغينة؛ فقد لوح لها ذات يأس بأبشع الأفعال إذا ما جمعتهم الأقدار مرةً أخرى.

كان يتصور في لهفةٍ مظلمة، كيف يمكن أن يبدو انتقامه منها. كيف يمكن أن ينظر في عينيها حينها، مُستخلصاً حقه المسلوب بين النظرات الثقيلة؛ لعله يجد فيها بريق ندمٍ تائه أو بصيص عدلٍ يُريح قلبه المثقل.

في هذا السّكون الثاقب، وجد نفسه يعود بالزمن إلى تلك الأيام الأولى لغيابها، إلى جناح الأسى والألم الذي شرعته خلفها. كانت الخيبة قد صبغت كل شيءٍ حوله، تلك الفجيعة التي حصدها بعد أن فتح لها ذُراع روحه:

Flash Back:

كان المشهد يشبه لوحة تشاؤمية؛ الأشلاء المتناثرة من الزجاج كانت تبرق ساخرة تحت شحوب النور الخافت، وكل قطعة أثاث تشهد على الانقلاب العنيف الذي اكتسح المكان بإعصار من الفوضى. كانت الأروقة تلفظ أنفاسها في تمرد، والخراب يتغلغل في كل زاوية من زوايا الدار التي كانت ذات يوم موئلاً للحب والراحة.

وفي القلب من تلك الفوضى، كان يقف عربي الذي تغير شكله بشكل يُرعب الناظرين؛ عيناه كانتا تشبهان مرآتين متوهجتين بلهيب الحقد، وثيابه محتضرةٍ على جسده في خللٍ واضح. الحقد الذي كان يأكل في روحه جعل من المكان بؤرة للضغينة فقط. تلك الجدران التي كانت حاملةً ذكرى قهقهاتهم تحولت إلى سجن لصدى أوجاعه.

اقتحم الشرفة، المدينة كانت غارقة في سبات، وضوء الليل الخافت كان يغمر العالم بامتنان. الغضب الذي كان يغلي داخله تجسد في دموع رجل محطم، تتحدى كبرياءه وتجري لتملأ ملامحه المتشنجة.

بعبرةٍ مخنوقة وهو يحتضن عنق الليل، صاح بكل ما تحمله روحه من انكسار:
"يا حقيرة، لن تفلتين بفعلتك، سأخبر الجميع أنكِ خائنة"

وها هو يفهم جيداً الآن الألم الذي أنهك شهاب من قبل، التصديق أضحى واجباً أمام سيل الأقاويل الذي كان يحيط بها. استشفّ أخيراً ذلك الإحساس بالخذلان الذي يخبرك كيف يبدو العالم من خلال عيون من أحب بصدق ولم يُبادل إلا بالجفاء.

تلاشت قوته فجلس بانهيار على الأرض الباردة، والدموع تشق طريقها على وجهه أنهاراً تؤنّبها بكل ما للحقد من دلالة.

End Flash Back..

من أعماق ذلك الشرود الثقيل الذي تلاعب بروحه، استفاق كمن ينبثق من غيهب الليل. عاد تدريجياً إلى الواقع المرير، مرتسماً على شفتيه ابتسامة محملة بكل ما في السخرية من مرارة. ها هو الرجل الذي أقسم على الانتقام من خائنة قلبه، وهو في كل يوم يبزغ كان يجدد وعده لنفسه بتلك النهاية العادلة. ومع ذلك، لم يهتز له ساكن أضلعه كانت ترتعش على وقع الحزن لا الفعل.

غرام وانتقام عربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن