الفصل الخامس عشر

46 23 1
                                    

صلوا على أشرف المرسلين

تصوبت + رأي
قراءة ممتعة
************************

خيم الظلام على المدينة بانسيابية حالمة، وصمتٌ ثقيل اخترق أرجاء الليل، حتى القمر كان يخفي وجهه وراء ستار من غيم قلق، كأنه يشهد تحت الستر سراً يخشى فضحه. في هذه الساعة المتأخرة حيث الأحلام تلقي بثقلها على أجفان النائمين، وقف عربي وحيداً تحت ضوء شارع خافت، يتابع ثبات الظلال وهي تطول أمامه على الرصيف. جاءه صوتها المتعَب عبر الهاتف كنداء مستغيث يستجدي الأمان، وبعودة كنان القابض على نيران الغضب، شعر بالقلق يحتل أحشاءه.

مع توالي الدقائق، مثل رداء أسود طويل تُرك على كرسي الليل، انحرفت سيارة غرام في الطريق المقابل حيث كان يتشح الصبر بمعطفه الثقيل. خرجت من سيارتها بخطوات راسخة وواثقة، وإن كان وجهها يحمل الجمود كقناع مسرحي إغريقي، فملامحها متعبة وكدمةٌ تعلن عن نفسها على إحدى ملامحها بأسلوب العتاب.

يختلج قلب عربي بمزيج من الصدمة والألم لمنظرها، فكيف لزهرة كغرام أن تتلقى الأذى بهذه القسوة؟ كانت كلماته بالكاد تتسلل من بين شفتيه، محملةً بالقلق الذي شقّ صدره:
"ماذا حدث غرام"

أخذت غرام نفساً عميقاً متسللاً من بين ضلوعها المثقلة بالهموم، وتحدثت بصوت أجوف مشبع بتعب الروح والجسد:
"لن أطيل عليك القول. غزل تلك التي  تقاسمني فضاء العمل، تخلق في خيالها علاقة محتمَلة بيننا. لإن مليكة قد سرّبت لها الوهم. تتصور الآن أنها يمكن أن تمتلك القدرة على التلاعب بالأحداث لمصلحتها. وتهدد بفتح ملفات الفضيحة التي تخص رضا. ووجهي من صنع يد كنان، السائب في حقيقته الخبيثة، فيما هو يتظاهر بأنه بات هادئ الطبع، ولكنه بادر إلى الصفعات خبثاً وعنفاً حالما خلا بي."

يحاول عربي استيعاب نبض الرواية المتسارعة، فما بين جنون مليكة وهمجية كنان وخيوط المؤامرات المنسوجة، يشعر وكأنه أمام معضلة كونية. يجتاحه الغضب نيابةً عن غرام، غضب لما آلت إليه الأمور، ويقول بنفسٍ عميق يخلو من الريبة:
"كيف لي أن أساعدك؟ أفصحي عما تريدين وأنا مستعد لكل شيء يا غرام"

تلتقط غرام أنفاسها وتنطق الفكرة الجريئة بصفاء الثلج:
"تزوجني."

يسري الذهول في شرايين عربي، فيما تتصاعد دقات قلبه، حلمه المستحيل أمام عينيه يتجسد. تصارع العقل والعاطفة في حناياه، وكل ما في العالم من عائلة وموازين كأنه ينهار أمام إلحاح القلب.

واسترسلت غرام بهدوء يتخللها ارتعاشة الحاجة:
"لم يعُد أمامي سوى أن ألتجئ إلى دفء حمايتك. قد تكون هذه الخطوة مدعاة للمشكلات مع مليكة، ولكن أنا محتاجة إليك الآن. الحاجة إلى أن أنعم بعباءة جناحك حتى يرحل كنان وتهدأ عواصف القلق. أعدك، يمكنني تبرير كل شيء حتى ما وقع من زلات. وإذا آويتني تحت جناحك، فإنني أرجوك ألا تُثير أطياف الماضي، وإذا رغبت بعد أن يغيب كنان عن الأنظار فلا تتردد في الانفصال عني."

غرام وانتقام عربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن