الفصل الثاني

108 42 1
                                    

يرسم التوترُ خطوطاً على محيا الليل، وتبدو الساعاتُ المتوالية تحتضن أنفاس القادم من الأحداث.

جو مشحون بالإحساس، حيث يجمع غرام وعائلتها وشقيقها أنس في غرفة المعيشة الأليفة التي كانت شاهدة على لحظات الوصل والفرح في الماضي، ولكنها الليلة تكتسي بالجدية والصمت المهيب.

تحيطُ بهم جدرانُ الذكريات ويقطعُ الصمت صفيرُ الريح خارج النافذة، كما لو أن الطبيعة نفسها تترقب القادم من الكلمات. يَبدأ ابراهيم بكلامٍ يحملُ وقار السنين وخبرة الحياة، قائلاً بصوتٍ مُتزنٍ وعينين تبحثان عن الصدق:

"غرام، يا نور هذا البيت، مهما يكن الذي جرى، أنتِ تظلين جزءاً من قلب هذه العائلة. لكن الحقيقة يجب أن تُقال ومن ثم نبني على الشيء مقتضاه."

ترتجفُ يدا غرام وعلى شفتيها تتلعثمُ الكلمات، ترفعُ النظر لأنس الذي كان يوماً مصدر دعمٍ لا ينتهي.

أنس يجلس بجسارة، لكن في عينيه يُمكن رؤية خيبة الأمل التي تكادُ تكتم على أنفاسه. بجانبه يجلس وليدُ العمر ابنه غيث، رمزُ البدايات النقية وسط الفوضى التي خُلقت.

ياسمين، هي الصخرة الدافئة بجانب أنس، تُمسك يده في إشارةِ دعمٍ صامتٍ، بينما تحاول نور شقيقة ياسمين – التي كانت دوماً رفيقة غرام في السراء والضراء – أن تُلملم بخيوط عينيها الدموع التي تُنذر بالانهمار. وستقفُ نور كحلقة وصلٍ بين غرام وبقية العائلة، تحمل أثقال التعاطف والواجب.

"كيف؟" سؤال يُطلقه أنس في الفضاء، تردّد صداه بقوة، "كيف لكِ أن تفعلي هذا بنا وبزوجك؟"

غرام، واقفة على أرضٍ متزعزعة، تلتقط أنفاسها بصعوبة، لم تبدُ على شفتيها كلمات العذر، فالحقيقة المرّة تثقُلُ لسانها.

ياسمين تنظر إلى غرام بأسى واضح، تُؤمن بأن الخطأ لا يُمكن أن يُمحى، لكنّ الندم يُمكن أن يكون بداية الطريق للتصحيح. صوت بكاء غيث يملأ المكان بلحظة إقرارٍ بالحياة وتعقيداتها.

يصبح الجو مشحوناً بتعقيدات الفعل وردّ الفعل، وأنس غير قادر على الفصل بين حبّه لشقيقته وبين الخيبة التي يشعر بها. سيكون توجّهه صارماً، والكلمات التي تُلقى قاسية، ليردف أنس بنبرة ممزوجة بالغضب والحزن:

"العائلة اسمٌ نحافظ عليه، والشرف ليس مجرد كلمة. أسعدناكِ، آمنّا بكِ، وهكذا تكافئين الثقة؟"

لا يسمع منها رد فيردف بحزم:
"لن أُسقط حكمي الآن، إلى أن أرى بعيني وأفهم كل جانب من القصة. لا يمكن للأخ الذي يحمل الحب والقلق أن يُساق بالشكوك وحدها."

أنس يلتفت بثبات، محاولاً جاهداً أن يُبقي وجهه صلباً كجدارٍ قديم. يأخذ نَفَساً عميقاً، يحمل بين يديه طفله غيث و يُمسك بيد ياسمين ويتقدم نحو الباب. سكون يعمّ المكان، تُعلق الأنظار في أذيال معطفه وهو يعبر العتبة، يغلق الباب خلفه برفق، وتَسقط الضجة وراءه مثل ستار يُنزل بصمت على مشهد مُتوتر.

غرام وانتقام عربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن