صلوا على أشرف المرسلين
تصوبت + رأي
قراءة ممتعة
************************حين انكشف المستور، وانفرط عقد الأمل ذاك، وُجد رضا نفسه وحيداً في غرفة مكتبه في المنزل، الذي بات مسرحاً لتراجيديا عمله.
كان جالساً هناك، ذراعاه تتكئان على المكتب، وجبهته تستند على قبضة يديه المتشابكة، وكأنه يحاول أن يستجمع قواه لآخر الصدمات. الصمت المحيط به كان مطبقاً، مفعماً بثقل الخيبة وثباتها المرير. إذ باتت الأوراق المتناثرة حوله شواهد على رهان أخير خاب.
عيناه التي كانتا في الأمس ملؤهما الحيوية والنشاط، أطبقت عليهما اليوم ظلال اليأس. كان يتأمل برهة الغروب الذي اخترق نافذة مكتبه، وكأن في لمعانه الأخير تشابهاً مع موقده المهني المُخمد. بقي هناك متجمداً، غير قادر على الحركة أو حتى على إبداء الحزن أو الغضب.
ربما كان يتساءل كيف للعالم أن يواصل دورانه وأسواق المال أن تنبض بالحياة، في حين تلاشت تلك الضربات في داخل نبضه. لم يعد يسمع سوى همسات روحه المتكسرة ترجو كسرة العودة إلى وقت مضى، إلى نقطة انطلاق لم يبذل فيها آخر قرش من رصيده الباهت.
بدا تصميمه القديم كشيء بعيد المنال وأحلامه مجرد أوهام راحلة. ربما ستكون لتلك الهزيمة ذيول تصحبه حتى انتهاء حكايته؛ إذ في كل مرة سيغمض فيها عينيه سيعود به الزمن إلى لحظة السقوط، يعيشها مجدداً، باقٍ في الحسرة وجحيم الضياع.
مشى رضا بثقلٍ في أنحاء الغرف التي فَقدَت روحها، وفي كل خطوة تسمع أصداء الأسئلة التي لا إجابة لها: "هل كان الثمن يستحق ذلك؟".
في زاوية من الغرفة، وكأن الزمن قد توقف هناك، تقبع غرام ذات العيون التي كانت كسماء صافية، باتت اليوم ضبابية ملتحفة بستر الذبول والهزال. تنفس رضا بعمق يحاول أن يستجمع شتات قواه وهو يجاهد ليكتم شجن صوته وخيبة إحساسه.
اقترب منها جالساً بجانبها يلتمس كفها النحيل بين يديه. وفي صمت محمل بكل الكلمات التي لم تُقال، تخلل نظراته إليها مزيج من الاعتذار والحنان. كان هناك شيئاً عميقاً في تلك اللحظة، شيء يتجاوز الخسارة المادية، كأنه استفهام عن قيمة الحياة ذاتها، عن إمكانية شراء الصحة والوقت بالنقود.
أدرك أن معركته مع القدر لم تكن فقط في البورصة وعالم المال، بل كانت صراعاً مع الرمال المتسربة من كف العمر ومع اللحظات التي كان يتمنى أن تدوم للأبد. ربت على يدها بأسى، يهمس لها بلسان العيون ودون كلمات، يقول لها إن كل الخسائر لا تُعادل خسارة وجودها.
وفي وسط الصمت الذي يُشبه نسيجاً يُحاك بخيوط من الألم، وبالكاد تنساب كلماته كموجة حطت على شاطئها فقط لتعود من حيث أتت:
"لقد خسرت يا غرام... خسرت كل شيء."
ضمّت غرام الصمت إليها كشخصٍ يحتضن وشاح الدفء في لحظة قارسة التجمد، فلم تقطع ذلك الهدوء بكلمة. في عينيها كل الكلام المجهز للرحلة إلى الأبدية ولكنة يخلد إلى الصمت. فواصل رضا بلهجة تحمل رجاءً مكسوراً:
![](https://img.wattpad.com/cover/341002697-288-k956561.jpg)
أنت تقرأ
غرام وانتقام عربي
Romanceكان وجهه يشتعل بالغضب والعينان تنبعثان بالحقد، صدره يتراقص بشدة، كما لو كان يحمل داخله بركاناً جاهلاً بكيفية التحكم به. رسم خطوطاً ملتوية على وجهه، وشفتاه الملتهبتان تتحركان بشكل متوتر، متسببتان في تطاير شرارات الغضب من حوله. ترك ذلك المكان متسلحاً...