العراق.. الموصل
يصل إلياس للبيت المنشود في إحدى قرى الموصل، فتلتمع عيناه بحنين جارف لأيامه القديمة هنا..
آه يا شجون آه!
كم هو ممتن لزوجة أخيه لأنها طلبت لقاءه في هذا المكان بالذات رغم مفاجأته وتوجسه من أسباب طلبها هذا..يعرف ان شجون خفيفة العقل تطرأ على رأسها أفكار غريبة أحياناَ - بل كثيراَ في الواقع - لكنه يحمد لها ما فعلته هذه المرة مهما كانت أسبابه..
كان يحتاج حقاَ هدنة من فوضى مشاعره في بيتهما المنعزل هذا بالقرية والذي صار شبه مهجور بعدما زاد انشغالهم مؤخراَ بأعمالهم في العاصمة..يركن سيارته جانباَ ثم يفتح الباب الصغير الذي يقود لممر ضيق يفضي إلى ساحة البيت الخارجية الواسعة والتي تبدو كأم تفتح ذراعيها له.. قلبها هو ذاك البيت البسيط داخلها.
يبتسم بالمزيد من الاشتياق وهو يتذكر أيامهم الجميلة هنا في الماضي..
هل حقاَ مضى كل هذا العمر؟!_إلياس!!
لا يدري كم مر به الوقت شارداَ لكن صوتها المندهش خلفه يجبره على الالتفات نحوها بصدمة تحولت لاستنكار قلق وهو يمسك كتفيها هاتفاَ :
_ناي؟!!.. كيف جئتِ وحدكِ إلى هنا؟! الشمس غربت تقريباَ!ترمقه بنظرة مصدومة هي الأخرى لتلتفت خلفها حيث توقفت السيارة التي وصلت بها إلى هنا تغمغم بارتباك:
_شجون هاتفتني.. أخبرتني أنها تنتظرني هنا وسترسل لي سيارة كي تأخذني.. وحذرتني كثيراَ من الاتصال بك لأنك ستكون مشغولاً.
_آه يا شجون.. آه.. ترى ماذا تدبر لنا؟!
يتمتم بها بابتسامة زادت ملامحه وسامة وهو يتلفت حوله بترقب بينما تهتف ناي ببعض القلق:
_ماذا يحدث؟!_لنكتشف ذلك معاَ!
يقولها وهو يتناول كفها ببساطة ليخطو معها داخل الساحة الكبيرة أكثر.._كان هذا البيت منتجعنا الصيفي في طفولتي.. لم ينسَ الأمين الكبير جذوره القروية يوماَ.. بحكم فارق السن الكبير بيني وبين شقيقيّ رحمهما الله نشأت وأنا أتجاهل هذا الجانب الطفولي فيّ كي اتشبه بالكبار.. لكنني كنت أنسى هذا تماماَ عندما آتي إلى هنا.. لهذا بقي هذا المكان دوماَ رمزاَ لتحرري من القيود.. واستماعي لصوت قلبي فحسب..
يقولها عفوياَ وعيناه تجوبان المكان بالمزيد من الاشتياق فتبتسم ابتسامة عاشقة ودت لو لا ينتبه إليها وعيناها ترتشفان ملامحه على مهل..
يلتفت نحوها فجأة فتتنحنح لتشيح بوجهها تغمغم بارتباك حاولت كسوته بالمرح :
_بصراحة.. لا يمكنني تصورك طفلاً أبداَ!همهمته المستنكرة تستحثها للمزيد فتهتف مع ضحكة مشرقة وهي تحك أنفها بسبابتها :
_أقصد.. لا أتخيلك طفلاً يلعب كبقية الأطفال.. بل يقف بينهم منفوش الصدر.. يشير لهم بسبابته قائلاً (أنت تركض في هذا الاتجاه.. وأنت في ذاك.. وأنت تلعب الكرة.. لكن أنت تلعب الغميضة.. وأنت تنظف المكان) ..بينما هم يطيعونك مع رفعة حاجبك التي تجيد السيطرة عليهم يخافون أن تحك أسفل ذقنك بتلك الحركة التي تفضح غضبك المكتوم.
![](https://img.wattpad.com/cover/358299196-288-k690075.jpg)