مصر.. القاهرة..
في غرفة نومهما تجلس حسناء على طرف الفراش تراقب ملامحه النائمة بقلق..
يومان مرا على زواجهما ولم يقربها بعد!حتى قبلته التي فتحت له طريقاً في قلبها - هو اول سالكيه- لم يكررها بعدها أبداَ..
تتعدد أسبابه وأولها انشغاله بالخروج للتجهيز للسفر لبغداد..
ولا ينتهي آخرها!
توقن أنه لا يعاني علة جسدية تمنعه فلماذا إذن؟!_لا تضخمي الأمور.. الرجل مشغول بظروف السفر وانتِ نفسك قلتِ إن حضور خاله المفاجئ هذا يوتره.. دعيه على راحته.. أمامكما العمر كله.
قالتها لها أمها ناصحة عندما زارتها يوم الصباحية لكنها هي تشعر أن هناك ما لا يمكنها فهمه!
الأمر ليس توتراَ ولا انشغالاً..
الأمر يبدو لغزاَ لا يمكنها فهمه أبداَ._لست كاذباَ.. لست كاذباَ..
يهذي بها نزار في نومه ورأسه يتحرك يمنة ويسرة فينعقد حاحباها بالمزيد من القلق وهي تنحني نحوه..
تصفع خده بخفة رفيقة محاولة إيقاظه لكنه يبدو غارقاَ في كابوسه وصوته يرتفع حتى يصل حد الصراخ :
_لست كاذباَ.. هو من قتله.. هو من قتله..شهقة ارتياعها مما سمعته تتزامن مع شهقة استيقاظه من نومه وهو يتلفت حوله بذعر كأنه لا يزال يعيش تفاصيل حلمه..
كفه يتحسس وجنته حيث كانت صفعتها الخفيفة فتهتف به تهدئه:
_كنت أحاول إيقاظك.. يبدو أنك كنت ترى كابوساَ.لكنه يمسك رسغها بقوة..
يناظرها بعينين متسعتين ألماَ وخوفاً..
يبدو لها كطفل تلقى صفعة من ذراع اشتهى عناقه!
يخفق قلبها بجنون مع هذه النظرة الذبيحة في عينيه..
خلف السحابة الداكنة مطر أسود يهدد بالهطول.._أحضر لك كوباَ من الماء كي..
تنقطع عبارتها بشهقتها وهي تراه يجذبها إليه بقوة.. يخفي وجهه في حنايا عنقها وذراعاه يتشبثان بها بعنف يكاد يكون مؤلما لولا شعورها بفداحة ما يعانيه..
لم يكن عناق عاطفة بقدر ما بدا لها عناق استغاثة!ورغماَ عنها تجد نفسها تستجيب بكل جوارحها..
تنسى قلقها وتوترها وحيرتها وتمارس أسهل ما تجيده..
العطاء..
العطاء دون قيد او شرط!تضمه إليها بذراعيها برفق..
تردد تلك الرقية التي علمتها لها أمها في ظروف مشابهة..
أناملها تمتد من شعره لظهره تمسد بتمهل حنون.تحاول الابتعاد بوجهها كي تنظر لعينيه لكنه يثبت رأسها مكانه غارساَ وجهه هو جوار عنقها..
يأخذ عدة أنفاس متلاحقة مالئاَ رئتيه من رائحتها وهو يحاول تناسي الكابوس الذي كان يراه..كان كرم أمامه.. يقف أمامه بطوله الفارع كجبل تماماَ كما كان يراه وقتها..
_هو من قتله.. هو من قتله..
_كاذب!
الصرخة الهادرة تصحبها صفعة كف!
صفعة ترميه ليتدحرج فوق سلم طويل.. طويل جداَ..
يبدو له وكانه بلا قاع!
يمد يده نحو أمه مستغيثاَ لكنها تبتعد حاملة كوب اللبن الذي لم يشربه..
تطفئ أنوار غرفته فتبقى بعده مظلمة للأبد..
ولا زال يسقط متدحرجاَ عبر درجات السلم الطويل فيغمض عينيه مستسلماَ للنهاية..
لكن صوت خشخشة أساور حسناء يصله من مكان ما.. يجبره ان يفتح عينيه فيرى كفها الممدود نحوه يجذبه كي يمنعه المزيد من السقوط..
