مصر.. القاهرة
يفتح حسام عينيه مع دقات منبه هاتفه الصباحي الذي يغلقه هو ببسرعة..
تراوده نفسه باستكمال نومه لكنه ينهض بتثاقل وقد صار عازماَ ألا ينكث عهده الجديد مع خالقه إذ وهبه فرصة جديدة..
من كان يصدق أن يكون له هو بعد الرماد حياة؟!
يبحث عن ديمة جواره لكن الفراش يغيظه بفراغه منها.. فيدير عينيه في الغرفة لكنه لا يجدها..
يغادر غرفته نحو غرفة سند المجاورة يهم بإيقاظه كي يصلي معه لكنه ما كاد يضع يده على المقبض حتى فوجئ بالولد يفتحه بوجه مبتسم..
_استيقظت قبلي.
يهتف بها بحب وهو يحمل الصغير ليعانقه بقوة..
_بابا.
لا يقول سند سواها لكن حسام يغلق أذنيه وعينيه عليها كأنها كنز العمر كله!
يمسد شعره.. يسمح لرائحته البريئة بالتوغل لحناياه.. يقبل رأسه في مزيج من حب واعتذار.. اعتذار لا يظن عمره كله سيكفي لأن يُقبل كاملاً!
_نتوضأ معاَ؟!
يسأل الصغير الذي يومئ برأسه مبتسماَ فينزله أرضاَ ثم يتوجه به نحو الحمام القريب..
في طريقه يرى ديمة وفجر وخادمتها يصلين بالردهة السفلية للبيت فيبتسم برضا..
لا ريب أن ديمة كانت ستوقظه بعد انتهائها من صلاتها مع فجر رغبة في منحه بعض دقائق نوم إضافية وكان قد عاد متأخراً ليلاَ!
فجر! آه يا فجر! آه من جرحك الذي لا يكفيه عمر لمداواته!
بعد دقائق ينهي صلاته مع الصغير الذي كان يقلد حركاته مع تمتمة شفاه لا تفهم لكنها تشعر بقدسية ما يفعله..
يلتفت نحوه سند بعدها مشيراَ بإصبعه نحو النافذة الجانبية التي بدأ نور الفجر يغزوها على استحياء فيبتسم حسام وهو يضمه إليه قائلاً :
_إنه الفجر.. فاصل بين الليل والنهار.. كم يشبهك! أنت مثله في حياتي.
يبتسم سند وهو يشير بإصبعه من جديد نحو لوحة جانبية معلقة على الحائط..
رسمها (عاصي الرفاعي) وأبدى سند إعجابه بها وقتها فمنحه إياها لتعلقها ديمة هنا في بيتها
خيط مجنون يضرب بين ليل وصبح.. سهم مارق يشق طريقاَ بين ظلمة ونور.. لوحة مقسومة نصفين.. نصفها في ليل خبت معه مرئياتها.. ونصفها في نهار سطع معه بهاؤهاهذه التي ظل الصغير يشير إليها الآن كأنه يشبهها بما يراه، فيهز له حسام رأسه :
_تماماَ.. بالضبط.. الجو بارد.. هل تريد العودة للنوم؟!
يومئ الولد برأسه موافقاَ وقد تثاقل جفناه فيقبل حسام جبينه قبلة يردها له الصغير اثنتين على ظاهر كفيه كما علمته ديمة.. ثم ينهض ليعود لغرفته تلحقه نظرات حسام الغارقة بعاطفتها..
ينهض ليطوي سجادة صلاته، يضعها جانباَ ليهبط الدرج نحو الطابق السفلي حيث تصاعدت روائح المخبوزات الساخنة من االمطبخ..
يتنهد بأسف وهو يرى باب غرفة فجر الموارب.. كالعادة لا تزال تخشى الأبواب المغلقة بعد سجن سنوات لم يكن لها ذنب فيه.. كعادتها أيضاَ تهرب لفراشها تحت غطائها في وقت الفجر.. يقينه انه لولا خوفها من حرمة تفويت الصلاة لما تركت غرفتها وقت الفجر أبداَ..
_لعنك الله.. مؤذٍ في حياتك وفي موتك.
يتمتم بها بغضب وطيف (فهمي) يغزو ذهنه ،لكنه ينفضه عن رأسه وهو يتوجه نحو غرفة فجر يطرق الباب الموارب ثلاثاَ لكن الصمت فقط يجيبه فيتنهد مدركاَ رغبتها المعتادة في عزلتها في هذا الوقت بالذات!
لكنه لا يستطيع منع نفسه من الدخول.. يجلس جوارها على طرف الفراش.. يوقن أنها تسمعه لكنها تغطي جسدها حتى رأسها بغطائها..
_صباح الخير.. يوماَ ما ستسبقينني أنتِ لقولها.. ستنظرين في عيني وقت الفجر وتقولين أن الليل حقاَ قد رحل وأنك مستعدة لاستقبال صبح جديد.. تعرفين أنني رجل يفي بوعوده وهذا وعدي لكِ.
يشعر باختلاجة جسدها تحت غطائها لكنها لا تبدي رد فعل أكبر.. فيربت على رأسها من فوق الغطاء ثم ينهض مغادراَ الغرفة.. تاركاَ بابها موارباَ كما يرضيها هي.
يتحرك نحو المطبخ باحثاَ عن ديمة لكنه يفاجأ بها واقفة أمام المرآة في الردهة الجانبية تجسّم ثوبها حول جسدها..
تتأفف بضجر وهي تتحسس ذراعاها وبطنها.. يقترب ببطء ليعانق ظهرها مسنداَ ذقنه على كتفيها :
_مالها حلوتي؟!
تشهق للمفاجأة وهي تلتفت نحوه فتتلقف شفتاه وجنتها بقبلة ناعمة بينما تهتف بضيق:
_تباَ لانشغالي! نسيت ان اوقظك.. ضاعت عليك الصلاة؟!
يهز رأسه نفياَ وهو يتشبث بها بين ذراعيه ،يسالها باهتمام :
_وما الذي يشغلك؟! المخبوزات؟! رائحتها رائعة!
فتهتف بحماس ثرثرتها المعهودة :