الشعاع السابع عشر 🌼

507 19 2
                                    

مصر.. القاهرة

_روقة!

تهتف بها ليان الصغيرة وهي تنادي فاروق من أمام بيت جدها..

كان عائداَ من بيت العم متولي متوجهاَ نحو محله هو الخاص في طرف الحي الآخر ..
ورغم أنه في العادة يقصد طريقاَ آخر مختصراَ  نحو عمله.. لكنه في هذا الساعة يختار أن يمر من أمام بيت أمينة بالذات لعله يلتمس خبراَ!

كانت الصغيرة تجلس على الرصيف جوار دراجتها وعيناها ممتلئتان بالدموع لكنها تضحك بمجرد أن تراه.. تفتح له ذراعيها فيحملها ليعانقها بحنان قائلاً :
_لماذا تجلسين هكذا؟!
_أنتظرك.

تقولها بعفوية الأطفال مع ابتسامة طيبة على ثغرها تشبه ابتسامة أمها بالضبط..
ابتسامة تجعله يغمض عينيه بقوة وهو يطلق العنان لقلبه لأول مرة منذ سنوات طويلة..
فيتذكر كم كان ولا يزال وسيبقى يهيم بابتسامة أمينة!

لم يعرف له أباَ ولا أماَ ولا عائلة ولا بيتاَ ولا نسباَ..
لكن ابتسامتها كانت تحمل له دفء كل هذا!

_عرفت ماذا حدث؟!
تنتزعه بها الطفلة من شروده فيرمقها بنظرة مترقبة وهو يختلس نظرة نحو نوافذ البيت العلوية..
يريد الاطمئنان على تطورات الأمور.. والحقيقة أن ليان لم تقصر :
_كان سيكون لي أخ.. لكنه سبقني للجنة.. هكذا قالت لي ماما بعد عودتها.. فقدته هي عندما سقطت في بيتنا الآخر.. أنت أنقذت ماما.. كانت لتلحق به هي الأخرى لولا أنك أنقذتها..

تتبعها بقبلة لوجنته فيبتسم ببعض المرارة وهو ينزلها ارضاَ..
يجلس جوارها على الرصيف فتستمر الطفلة في ثرثرتها العفوية وهي تسند ذقنها على كفيها :
_عرفت أنك انت من أخذت ماما للمشفى.. أنا بقيت أدعو لها طوال النهار أن تعود سالمة.. وأن يعود معها بابا.. أقول لك سراَ؟!

يومئ برأسه وهو يربت على شعرها فتميل الصغيرة على أذنه مردفة :

_انا زعلانة من بابا.. زعلانة جداً.. ليس فقط لأنه لم يصالحني منذ وقعت الشوربة على رجلي.. لكن لأنه لم يأتِ عندما كلمته في التليفون وقلت له أن ماما وقعت في المطبخ.. لم يأتِ.. انت من أتيت.. وأظن ماما هي الأخرى زعلانة لهذا السبب.. سمعت جدتي تسألها عن دبلتها عندما رجعت..قالت إنها رمتها.. دبلتها هذه مكتوب عليها اسم بابا.. أنا سألت ماما ذات يوم لماذا تلبس المرأة خاتماَ في يدها اليسرى عليه اسم زوجها.. فقالت لي (كي يكون أقرب ما يكون لقلبها).. والآن هي رمتها.. يعني أنها لم تعد تحبه.. صحيح؟!

يشعر فاروق بالارتباك من أسئلة الصغيرة التي لا يجد لها جواباَ مناسباَ.. فيغير الموضوع عمداَ :
_وكيف حال (الست أمينة) الآن؟!
تهز ليان كتفيها لتقول بملامح بائسة :

_لم أفهم ما قالوه بعدها لكنهم كانوا يتشاجرون.. ماما وجدتي وجدي.. ما عرفته أن ماما لا تريد أن نعود للبيت.. وأنا أيضاَ لا أريد.. صرت أخاف منه.. يهيأ إليّ أنني كلما دخلت للمطبخ سأرى ماما واقعة على الأرض يسيل منها الدم وأنا ومعاذ نصرخ جوارها!

على خد الفجر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن