مصر.. القاهرة..
_ما الفرق بين واحد و أحد ؟!
يسأل إبراهيم الصبية في حلقة الدرس التي يحافظ عليها في المسجد يوم الجمعة..
تتسع حدقاتهم في اهتمام لما يقول..
خاصة (سامي) الصغير الذي بدا رغم عدم استيعابه الكامل منتبهاَ لما يقال وقد اتخذ مجلسه جوار إبراهيم الذي ضمه لكتفه وهو يردف مخاطباَ الصبية :
_لماذا قال الله تعالى : قل هو الله أحد ، ولم يقل قل هو الله واحد ؟!يبدو السؤال صعباً إلا على واحد لمعت عيناه بجوابه المنطلق :
_واحد مفتتح العدد ، فتقول :واحد ، اثنان ، ثلاثة…أما أحد فمنقطع العدد ، فأحدٌ ليس له ثان.
_ممتاز.
يهز بها إبراهيم رأسه ليستطرد الصبي بجوابه :
_واحد له مؤنث ، فتقول : واحدة أما أحد فلا يؤنث ، وهذا مقام تشريف …واحد يأتي وصفاً لأي شئ ، فتقول : رجلٌ واحد ، وكتابٌ واحد. أما أحد فاختص به الله وحده ، فتقول : الله أحد ولا تقول الرجل أحد. . واحد يتجزأ وينقسم إلى أبعاض ، فالواحد يتجزأ إلى أرباع وأثلاث.. أما أحد لا يتجزأ ولا يتبعض ، فأحد يعني الوحدة.
_جميل.. فتح الله عليك..
يربت بها إبراهيم على رأس الصبي ليردف :
_بقي فقط أن (واحد) تستخدم للعاقل وغير العاقل ، تقول رجل واحد ، وجمل واحد.. أما أحد فلا تستخدم إلا للعاقل.. وهذا من كمال اللغة في القرأن الكريم..
_إبراهيم.. تعال بسرعة.
يهتف بها ابن عمه قيس وقد أطل رأسه من خارج المسجد بملامح قلقة..
فينهض إبراهيم مودعاَ الصبية :
_نكتفي بهذا اليوم.. لا تنسوا مراجعة وِرد التسميع للأسبوع القادم.
_ماذا حدث؟!
يهتف بها وهو يغادر المسجد، ينتعل خُفّه بسرعة مخاطباً قيس الذي هتف بجزع غريب علي طبيعته المرحة دوماَ :
_يسرا.
لم ينتظر إبراهيم المزيد من التفسير وهو يركض نحو بيت أبيه..
يصعد الدرج في قفزات سريعة متقاربة..
تتلاحق أنفاسه وهو يسمع صوت صراخها من أعلى فلا يشعر بنفسه إلا وهي بين ذراعيه يتفحصها بخوف وقد رآها ترتدي ملابس خروجها كاملة حتى نقاب وجهها.. فيهتف بقلق :
_ما الأمر؟!
تكاد تعتصر ثوبها فوق بطنها وآهات خوفها تمتزج بدموعها بينما تنحني على نفسها :
_سقط ماء الجنين.. لايزال الوقت مبكراَ على هذا.. اتصلت بالطبيب وطلب مني الحضور فوراَ!
_ولماذا لم تهاتفيني كي أحضر بسرعة؟!
_الهاتف كان مغلقاَ و... آآه!
تصرخ بألم وهي تنحني من جديد..
تعانق بطنها بذراعيها كأنها تحمي جنينها من كل خطر..
_لا تخافي.. لا تخافي.. ستكونان بخير..
يهتف بها محاولاً التماسك وهو الآخر يشعر بقلبه يتفتت قلقاَ..
ينتبه أخيراَ لوالده الواقف خلفها..
ملامحه كلها تنطق بالخوف هو الآخر لكنه يربت على كتف ابنه وزوجته هاتفاَ :
_رب الخير لا يأتي إلا بالخير.. هيا بنا كي لا نتأخر أكثر على الطبيب..
_سآتي معكم.
في الشارع أمام البيت تبادرهم بها سندس التي جاءت تركض إليهم وقد أحاطت سامي الصغير الباكي بذراعها والذي روعته صرخات يسرا ونشيجها..
ليهتف إبراهيم بحدة فجرها قلقه:
_هي نزهة؟! لن يأتي أحد!
لكن يسرا تصرخ ولا تزال تعانق بطنها بذراعيها :
_دعهم يأتوا.. دعهم جميعاَ يأتوا.. لو حدث لي شيء اريد أن اراهم قبل أن ..
يقاطع إبراهيم قولها الذي لم يحتمل إكماله وهو ينحني ليحملها..
يضمها لصدره بقوة وهو يركض بها حاملاً إياها نحو سيارته فيصله صوتها المتقطع وسط أنفاسها اللاهثة :
_ابني.. ابني يا إبراهيم..هل ساراه ؟! هل سأراه ؟!
تبقى ترددها وكأنها فقط من فرط خوفها صارت كل أمانيها الأن؟!