- لا مهرب من لعنتِي .

583 39 76
                                    

"حتى عند موتها دفنتها بحديقتي الخاصه ليس بتلك المقبرة المليئه بالرجال "
______________________

في أعماق قصر مهجور يتربع فوق تلة تطل على مدينة صامتة، عاش فرانكي. كان القصر كبيرًا، عتيقًا، وكأن الزمن قد نسيه بين جدرانه الباردة، إلا أن هناك شيئًا حيًا في داخله. شيئًا مروّعًا، شيء يحيا فقط داخل عقل فرانكي.

كان فرانكي رجلاً غريب الأطوار، محاصرًا بأفكاره، مغرمًا بجنون بفتاة لم تكن سوى عاملة بريد قامت بالإبتسامه في وجه فرانكي كان حبه لها حبًا مرضيًا، يتجاوز حدود العقلانية، ينمو كالسرطان في عقله، يغذي هوسه المستعر، ويزيد من انعزاله عن العالم الخارجي. كانت ابتسامتها، التي لم يرها مره اخرى سوى في أحلامه المظلمة، تلاحقه، وكانت ضحكتها الرنانة تتردد في أرجاء القصر كأنها تهديد أو وعد مجهول.

خطورة فرانكي لم تكن مجرد تهديد للعالم الخارجي، بل كانت شبحًا يطارده هو نفسه، يبتلع عقله ويدفعه إلى هاوية الجنون. كان فرانكي يعيش في قصر ملعون، لكن اللعنة الحقيقية كانت في داخله، في أعماق روحه المضطربة. كان يعيش وحيدًا، يتجول بين أروقة القصر الواسعة، محاطًا بأصوات لا يسمعها أحد سواه، وبذكريات مشوهة لأحداث لم تحدث قط.

في هذا المكان، حيث تتشابك الحقيقة مع الهلاوس، كان فرانكي يغرق أكثر فأكثر في جنونه. كان القصر يسكنه، يلتهمه شيئًا فشيئًا، حتى أصبح هو والقصر كيانًا واحدًا، لا يمكن فصلهما. كانت جدرانه تخبئ أسرارًا، تمامًا كما كان قلب فرانكي يخفي شرورًا لا يمكن كشفها، ووسط هذه العتمة، ظل حبّه المرضي لتلك الفتاة يتغلغل في كل زوايا حياته، يملأ الفراغات بشيء أكثر رعبًا من الوحدة نفسها.
__________________________

في أحد الأيام التي بدت مثل أي يوم آخر، وبينما كانت الرياح تهمس بأسرار القصر القديم، جاءه زائر غير متوقع. كانت الفتاة عاملة بريد، بشوشة الوجه، متفائلة بروحها، وقد قادها حظها العاثر إلى باب القصر الملعون. كان عنوانًا خاطئًا، لكنه كان خطأً قدرها أن يغيّر حياتها إلى الأبد.

عندما طرقت الفتاة الباب، كان الصوت يدوّي في أرجاء القصر، كأنه ينفض غبار السنين عن جدرانه المتآكلة. فتح فرانكي الباب بتردد، وعيناه تشعان بدهشة وريبة. لم يطرق أحد بابه منذ عشر سنوات، كان القصر معزولًا عن العالم، كما كان هو معزولًا عن الحياة.

"ماذا تريدين هنا؟" سأل فرانكي بصوت مليء بالاستغراب والحنق، وهو يحدق في تلك الفتاة التي تجرأت على اختراق حصنه. لكن ما أربكه أكثر هو ابتسامتها الوديعة وسلوكها الهادئ. لم تكن تخافه، لم تره كالغريب الذي كانت تراه العيون الأخرى. كانت بشوشة، لطيفة في تعاملها، تحدثت إليه كأنه مجرد رجل عادي، وليس الشبح الذي تجنبته المدينة لسنوات.

منذ تلك اللحظة، غرق فرانكي في بحر من المشاعر الغريبة، مشاعر لم يكن مستعدًا لها ولا يعرف كيف يتعامل معها. بدأ يرى في الفتاة كل ما افتقده في حياته، كل ما ظن أنه غير موجود في العالم. كانت زيارتها الخاطئة بداية لجنون جديد، حب مريض لا يعرف الحدود، حب دفعه إلى أعماق هوسه، حيث لا يعود هناك فاصل بين حقيقته وكوابيسه.

مع مرور الأيام، بدأت الفتاة بالعودة إلى القصر، في البداية كانت مجرد زيارات خاطفة لتحقق من الطرد الذي تركته هناك بالخطأ، لكنها لم تدرك أنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة فرانكي. كان يستقبلها بابتسامة متوترة، يخفي وراءها اضطرابًا متزايدًا. كلما زاد تعلقه بها، ازداد إحساسه بالخطر الذي تشكله على حياته المنعزلة وعلى الأسرار المظلمة التي يحتفظ بها في قصره.في إحدى الليالي، وبينما كانت السماء ملبدة بالغيوم والرعد يزمجر في الأفق، قررت الفتاة أن تزور القصر مرة أخرى. لكن هذه المرة، لم يكن فرانكي مستعدًا لتركها تغادر بسهولة. هاجسه بلغ ذروته، وتحول حبه المرضي إلى رغبة محمومة في الاحتفاظ بها إلى الأبد.عندما حاولت الفتاة المغادرة، وجدتها الأبواب الثقيلة مغلقة بإحكام. صدى خطواتها المرتبكة يتردد في أروقة القصر، وهي تبحث عن مخرج. كان فرانكي يراقبها من الظل، عيناه المتوهجتان تتبعان كل حركة تقوم بها، مشبعًا بخوفها وترددها. فجأة، ظهر أمامها، وتفاجأت بتغير ملامحه، إذ كان هناك شيء مظلم يغلفه."لا يمكنكِ الرحيل الآن... أنتِ هنا معي، هذا هو قدركِ." صوته كان هادئًا بشكل مخيف، ويداه ترتعشان من شدة الانفعال.الفزع اجتاح الفتاة، لكنها حاولت التظاهر بالهدوء. بدأت تتحدث إليه بهدوء، تحاول تهدئته وإقناعه بفتح الباب. لكن فرانكي كان غارقًا في جنونه، يرى في عينيها إشارة للخيانة والهروب. فجأة، اندفع نحوها محاولًا إيقافها بالقوة، لكنها استجمعت شجاعتها ودفعته بعيدًا.بينما كانت تحاول البحث عن وسيلة للهرب، تعثرت في أحد الممرات وأدركت حينها أن القصر نفسه ليس مجرد مكان بل هو كائن حي، يتفاعل مع مخاوف فرانكي، ويغذيها. جدرانه بدأت تضيق، والممرات تبدو لا نهائية، كأنها متاهة مصممة لاحتجازها إلى الأبد.في هذه اللحظة، كانت الفتاة تعلم أنها ليست فقط في خطر من فرانكي، بل من القصر نفسه. بدأت المطاردة، بين أروقة القصر المظلمة، حيث كان فرانكي يطاردها ببطء وبإبتسامه ساخره. كانت كل زاوية تنبض بالرعب، وكل خطوة تأخذها كانت تقربها من النهاية.
بينما كانت الفتاة تلتقط أنفاسها بعد ما اعتقدت أنها نجت من الكابوس الذي عاشته، شعرت فجأة بنسمة باردة تمر على وجهها. كان الصمت يخيم على المكان، وصدى خطواتها المتسارعة يتردد في أرجاء القصر. على الرغم من تمكنها من الإفلات من فرانكي للحظة، إلا أن الشعور بالخطر لم يتركها.بدأت تسير ببطء، محاولًة إيجاد طريق للهروب. فجأة، سمعت صوتًا غريبًا، وكأن القصر نفسه يهمس لها. كانت الكلمات غير واضحة، ولكنها شعرت بالرعب يتسلل إلى قلبها. تابعت السير بحذر، لكن كلما اقتربت من مخرج القصر، شعرت بأن الجدران تقترب منها أكثر، وكأنها تضغط عليها.فجأة، سمعت ضحكته الخافتة تتردد في أرجاء القصر، كانت ضحكة فرانكي . تجاهلت كل الأصوات المخيفة التي كانت تسمعها حولها. ووصلت اخيرا للباب ، فتحت الباب بسرعة وأغلقت خلفها. شعرت ببعض الأمان، وبدأت تبحث بين الأرفاف القديمة، تبحث عن شئ لتسطيع فتح الشباك فجأة، شعرت بأنفاس خلفها. استدارت بسرعة لتجد فرانكي يقف عند مدخل المكتبة، وعيناه تلمعان بجنون.
"أنتِ لن تخرجي من هنا أبدًا. القصر يريدكِ هنا، كما أريدكِ أنا." قال بصوت مخيف، وبدأ يقترب منها ببطء.
______________________

- لَم افعل .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن