السراب الداخلي

الفصل الثالث: الظلال المتحركة

الفصل الثالث: الظلال المتحركة

استمر الغموض في محاصرة مركز ريدلي مع حلول الليل، وبدأت أجواء المكان في اكتساب طابع أكثر غموضاً وقلقاً. بعد تناول العشاء في غرفة الطعام المشتركة، كان جاكوب مارتن يشعر بأن الوقت قد حان للبحث في بعض زوايا المركز التي لم يلتفت إليها بعد. كان من الواضح أن التحقيق في اختفاء إدوارد كينغستون لم يكن كافيًا بدون استكشاف أعمق للأحداث التي قد تكون حدثت هنا.

بينما كانت أضواء الممرات تتلألأ بصوت هادئ، قرر جاكوب أن يستغل هذا الهدوء لاستكشاف المناطق التي لم يزرها بعد. مر بجانب جناح الممرضات، حيث لاحظ أن جيسيكا رايت كانت تجلس خلف مكتبها، تكتب شيئًا على ورقة. بدا وجهها شاحبًا، وعندما رفع عينيه، تبادلا نظرات قصيرة. كان جاكوب يشعر بأنها قد تكون خفية أكثر مما تبدو عليه.

واصل جاكوب السير حتى وصل إلى غرفة تخزين صغيرة، حيث لاحظ أن الباب كان مغلقًا بإحكام ولكنه لم يكن محكم القفل. دفع الباب ببطء ليجد نفسه في غرفة مليئة بالمواد الطبية والأدوات القديمة. كان المكان يبدو مهجورًا بعض الشيء، لكن جاكوب شعر بأن هناك شيئًا ما يستحق التفتيش.

بدأ يفتش الرفوف ويزيل الأغطية عن الصناديق. كان هناك العديد من الملفات القديمة، التي تعود لفترة قبل أن يصبح المركز مركزًا متقدمًا. فجأة، عثر على صندوق خشبي صغير، مغلق بإحكام، ويبدو عليه الغبار وكأنه لم يُفتح منذ سنوات.

فتح الصندوق ببطء، ليجد داخله مجموعة من الملفات القديمة والوثائق التي لا تتناسب مع ما كان يتوقعه. كانت معظمها تتعلق ببحوث وتجارب طبية، لكن بعض الأوراق كانت تحمل معلومات عن تجارب نفسية غير قانونية. كانت هناك ملاحظات تفصيلية حول تقنيات العلاج ونتائج غير متوقعة، وبعض الأسماء المألوفة، منها اسم إدوارد كينغستون.

بينما كان جاكوب يراجع الوثائق، شعر بشيء غريب. كان هناك تقرير حديث يعود لعام اختفاء كينغستون، لكنه كان يحتوي على ملاحظات تتحدث عن "تجارب سرية" و"تلاعب بالذاكرة". تطابقت هذه التقارير مع ما سمعه من ليو بارنز عن الأعراض الغريبة التي يعاني منها.

بمجرد أن انتهى من فحص الملفات، قرر أن يعود إلى مكتبه. شعر بأن الوقت قد حان للحديث مع الدكتور توماس ميلر مجددًا، لتسليط الضوء على هذه الاكتشافات. سار جاكوب في الممرات، ووجد نفسه فجأة في مواجهة مع جيسيكا رايت.

"هل تحتاج إلى شيء، السيد مارتن؟" سألت جيسيكا، بوجه متجهم.

"نعم، في الواقع. أحتاج إلى التحدث مع الدكتور ميلر حول بعض الأمور التي اكتشفتها." أجاب جاكوب، وهو يشعر بالقلق من تعبيرها.

"الدكتور ميلر قد يكون مشغولاً الآن، لكنه سيتواجد في مكتبه بعد قليل. يمكنك الانتظار هنا أو العودة لاحقًا." قالت جيسيكا، وهي تراقبه بنظرات مشبوهة.

اختار جاكوب أن ينتظر، وقرر الجلوس في منطقة الاستراحة القريبة. جلس هناك في ظل الأضواء الخافتة، وكانت الأفكار تدور في رأسه حول ما عثر عليه. كان يعلم أن هناك شيئًا خطيرًا كان يتم التستر عليه.

بعد فترة قصيرة، وصل الدكتور ميلر إلى مكتبه. بدا هادئًا كالمعتاد، لكن جاكوب لاحظ أن نظراته كانت تتغير بشكل طفيف.

"أهلاً بك مرة أخرى، السيد مارتن. كيف يمكنني مساعدتك الآن؟" قال ميلر، وهو يجلس خلف مكتبه.

"عثرت على بعض الوثائق المثيرة للاهتمام في غرفة التخزين. يبدو أن هناك تجارب قد تكون مرتبطة باختفاء إدوارد كينغستون." بدأ جاكوب، وهو يراقب رد فعل ميلر.

تغيرت ملامح ميلر قليلاً، لكنه حافظ على هدوئه. "ما هي الوثائق التي تتحدث عنها؟"

"تتحدث عن تجارب نفسية وتلاعب بالذاكرة. لقد وجدت اسم إدوارد كينغستون بين هذه الوثائق. أحتاج إلى تفسير لهذه التجارب." قال جاكوب.

أخذ ميلر نفسًا عميقًا، وظهر على وجهه مزيج من الاضطراب والقلق. "تلك التجارب كانت جزءًا من أبحاثنا في فترة سابقة. كانت تحت إشراف المركز السابق، وتوقفت منذ عدة سنوات. لم تكن لدينا نية للإضرار بأي شخص، لكن يبدو أن بعض الملفات لم تُحرق كما يجب."

"أفهم. أحتاج إلى معلومات إضافية حول هذه التجارب، وأريد التحدث إلى أي موظفين قد يكونون على علم بما حدث." قال جاكوب، وهو يركز على ميلر.

"سأتعاون معك بكل ما أستطيع. لكن تذكر، هذه المسائل حساسة وقد تؤثر على سمعة المركز." قال ميلر، وهو ينهض من مكانه، ويبدو وكأنه يفكر في كيفية التعامل مع هذا الموقف.

خرج جاكوب من مكتب ميلر، وكان يشعر بأن الأمور بدأت تتكشف تدريجيًا. كان المركز يحتفظ بأسرار أعمق من أي وقت مضى، وكان بحاجة إلى الكشف عنها من أجل حل لغز اختفاء إدوارد كينغستون.

بينما كان جاكوب يسير في الممرات المظلمة، أدرك أنه لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات. كانت الظلال المحيطة بالمركز أكثر تعقيدًا مما كان يتصور، وكان الطريق إلى الحقيقة مليئًا بالأسرار التي تحتاج إلى فك رموزها.