السراب الداخلي

الفصل الخامس: الغموض المحيط

الفصل الخامس: الغموض المحيط

كانت الليلة قد أسدلت ستارها على مركز "ريدلي" للأبحاث النفسية، حيث تحيطه الجبال الضبابية من كل جانب. الجو البارد كان يلف المكان بسكون غريب، يعكس حالة من الترقب المشحون التي كانت تعتمل داخل المركز وبين جدرانه الصامتة. لم يكن هناك صوت سوى همسات الرياح العابرة بين الأشجار الكثيفة المحيطة بالمكان، وكأن الطبيعة نفسها تحاول التحذير من شيء ما.

كان جاكوب يقف أمام النافذة الزجاجية في غرفته بالمركز، يراقب الظلال المتحركة التي تلعب على الجدران بفعل الأضواء الباهتة في الخارج. مشاعره كانت مزيجًا من الفضول والخوف؛ الفضول لمعرفة المزيد عن اختفاء إدوارد كينغستون، والخوف مما قد يكتشفه.

أثناء انغماسه في تأملاته، قطع صوت خفيف الصمت. التفت جاكوب بسرعة ليجد جيسيكا، الممرضة التي كانت تعمل بالمركز، تقف عند باب الغرفة. نظراتها كانت مشوبة بالقلق، وعينيها تعكسان رغبة واضحة في الحديث.

"جاكوب، هل يمكنني التحدث معك للحظة؟" قالت جيسيكا بصوت خافت، وكأنها تخشى أن يسمعها أحد.

أومأ جاكوب برأسه وأشار لها بالدخول. تقدمت جيسيكا بخطوات حذرة وجلست على الكرسي المقابل له، بينما بقي هو واقفًا.

"هناك شيء غريب يحدث هنا... وأعتقد أنك بدأت تلاحظ ذلك، أليس كذلك؟" قالت جيسيكا وهي تنظر مباشرة إلى عينيه، باحثة عن إجابة.

تردد جاكوب قليلاً قبل أن يرد، "نعم، هناك الكثير مما لا يبدو منطقيًا. ملفات المرضى، حالة إدوارد كينغستون، وتلك التجارب التي يجرونها هنا... أشعر أن هناك شيئًا أكبر يخفيه هذا المكان."

ابتسمت جيسيكا ابتسامة حزينة وقالت: "أنت على حق. هناك أسرار كثيرة تُخفى هنا. لقد بدأت ألاحظ بعض الأمور بنفسي عندما اختفى إدوارد. لم يكن مجرد مريض عادي، بل كان موضوعًا لتجربة نفسية خطيرة."

رفع جاكوب حاجبيه مندهشًا. "تجربة؟ ما نوعها؟"

"شيء يتعلق بالتلاعب بالذاكرة والوعي... لم أتمكن من الوصول إلى التفاصيل الكاملة، لكنني أعلم أن الدكتور ميلر كان يقود تلك التجربة. كانت هناك آثار جانبية خطيرة على المرضى، ولم يكن إدوارد هو الوحيد الذي تعرض لتلك التجارب."

صمت جاكوب للحظة، يحاول استيعاب ما قيل. "هل تعتقدين أن اختفاء إدوارد له علاقة بتلك التجارب؟"

أومأت جيسيكا ببطء، ثم أضافت: "نعم، وأعتقد أن هناك المزيد من المرضى الذين تعرضوا لنفس الشيء. ربما لم يختفوا جسديًا، لكن عقولهم ليست كما كانت. هناك شيء خطير يحدث هنا، وعلينا أن نكتشف الحقيقة قبل فوات الأوان."

نظرات جاكوب كانت حادة ومليئة بالعزم. "إذا كان هذا صحيحًا، فسنحتاج إلى أدلة. علينا أن نعود إلى الملفات، ونبحث في التجارب التي أجريت، ونتحدث إلى المرضى."

وقفت جيسيكا ببطء، وقالت وهي تنظر إلى جاكوب بجدية: "الأمر ليس بهذه السهولة. الدكتور ميلر يراقب كل شيء، وإذا اكتشف أننا نبحث في الأمر، فلن نتوقع ما قد يفعله."

أومأ جاكوب، وقال بصوت هادئ لكنه حازم: "علينا أن نكون حذرين، لكن لا يمكننا التوقف الآن. إذا كانت هناك أرواح معرضة للخطر، فيجب علينا أن نتحرك."

خرجت جيسيكا بهدوء من الغرفة، بينما بقي جاكوب مستغرقًا في التفكير. كان يدرك أن الطريق إلى الحقيقة سيكون مليئًا بالمخاطر، وأنه لن يكون هناك رجوع بمجرد أن يبدأ التحقيق بشكل جدي.