الفصل الثاني: أسرار الغرف

5 2 2
                                    

أسرار الغرف

كان مكتب المحقق جاكوب مارتن يقع في جناح من المبنى لا يبعد كثيراً عن غرفة إدوارد كينغستون. كان المكتب صغيراً لكن مرتباً، يحوي طاولة خشبية كبيرة، وكراسي جلدية، وجدران مزينة برفوف تحمل ملفات وقصاصات من الأوراق. كانت الجدران عارية من أي زينة، ولا يزينها سوى أضواء فلورية تعكس ضوءاً بارداً على الأسطح.

جلس جاكوب خلف الطاولة، موجهًا نظراته نحو الملفات التي كانت قد أحضرتها الممرضة جيسيكا رايت. كانت ترتدي زيها الرسمي وتبدو جادة بشكل لا يترك مجالاً للحديث غير الضروري. وضعت الملفات على الطاولة، وأعطت جاكوب نظرة سريعة قبل أن تخرج من المكتب دون أن تقول شيئًا.

بدأ جاكوب بفتح الملفات، متمعنًا في كل التفاصيل التي تتعلق بإدوارد كينغستون. كانت الوثائق تتضمن تقارير طبية، ملاحظات للأطباء، ومراسلات داخلية حول حالته. كانت معظم المعلومات عبارة عن تفاصيل طبية عادية، لكن جاكوب كان يبحث عن شيء غير عادي في وسط الروتين.

أمضى جاكوب ساعتين في مراجعة الملفات، كان يتوقف بين الحين والآخر ليسجل ملاحظاته أو يفحص التقارير التي تبدو مريبة. لكن لم تكن هناك إشارات واضحة على أي شيء خارج عن المألوف، رغم أنه شعر أن هناك شيئًا غير مكتمل.

عند انتهاءه، شعر جاكوب بالحاجة للراحة والتجول في المركز بشكل أوسع. قرر العودة إلى الجناح الذي يحمل غرف المرضى، وهناك استقبله الدكتور توماس ميلر مجددًا، وقد بدا مهتمًا بمشاهدته يتجول في أروقة المركز.

"هل هناك أي شيء يمكنني مساعدتك فيه، السيد مارتن؟" سأل ميلر بصوته الهادئ والمستمر في برودته.

"أريد أن أتعرف على بعض المرضى هنا. أعتقد أن الأمور التي نبحث عنها قد تكون متعلقة بسلوكهم أو حالتهم النفسية." أجاب جاكوب، وهو ينظر إلى ميلر بتركيز.

"بالطبع، سأكون سعيدًا بمساعدتك. لدينا مريض يدعى ليو بارنز قد يكون لديه معلومات قد تكون ذات صلة. يبدو أنه يعاني من اضطرابات ذاكرة، وقد تكون لديه تجارب غير واضحة حول ما يجري هنا." قال ميلر، متجهاً نحو جناح آخر من المبنى.

توجه جاكوب مع ميلر إلى جناح آخر حيث كان ليو بارنز مقيمًا. كان الجناح مختلفًا قليلاً، فقد بدا أكثر دفئًا وحميمية، مقارنةً بالمنطقة التي زارها جاكوب سابقًا. وصلوا إلى غرفة ليو، وكانت النوافذ مزينة بستائر ثقيلة، وأجواء الغرفة كانت أكثر راحة من باقي أجزاء المركز.

استقبلهم ليو بارنز بابتسامة شاحبة. كان يبدو رجلًا في منتصف العمر، ذو شعر رمادي غير مهذب ونظراته مليئة بالقلق. وقف ببطء من على السرير عندما دخل جاكوب وميلر الغرفة.

"مرحبًا، السيد بارنز. أنا جاكوب مارتن، محقق خاص. أتيت هنا لأبحث في قضية تتعلق بمركز ريدلي." بدأ جاكوب، وهو يراقب رد فعل ليو.

"قضية؟" سأل ليو بفضول، مع نظرة مشوبة بالقلق. "هل يتعلق الأمر بشيء حدث هنا؟"

"نعم، يتعلق بشخص آخر كان هنا، إدوارد كينغستون. اختفى قبل سنوات، وأحاول الآن فهم ما حدث له." قال جاكوب، وهو يحاول قراءة تعبيرات ليو.

تغيرت ملامح ليو، وعاد ليجلس على حافة سريره. "أسمع قصصاً غريبة بين الحين والآخر. أحيانًا أسمع أصواتاً وأرى أشخاصاً لا وجود لهم. أعتقد أن هذه التجارب تتداخل مع ذاكرتي." قال ليو، وهو يبدو مشوشًا.

"هل لديك أي معلومات قد تكون ذات صلة؟" سأل جاكوب.

"لا أستطيع أن أقول بالتأكيد. لكنني شعرت دائمًا بأن هناك شيئًا ما غريبًا في هذا المكان. ربما أكون مريضًا، لكنني أشعر بوجود أسرار مخفية خلف هذه الجدران." قال ليو بصوت مفعم بالخوف.

"شكرًا لك، السيد بارنز. إذا تذكرت أي شيء آخر، لا تتردد في إخباري." قال جاكوب، وهو يترك الغرفة ويعود إلى جناح المرضى.

بينما كان جاكوب عائدًا إلى مكتبه، شعر بأن هناك مزيدًا من الأمور التي تحتاج إلى استكشافها. كان مركز ريدلي يبدو أكثر تعقيدًا مما كان يتصور، وكان لديه شعور بأن كل شيء هنا مرتبط بشيء أكبر وأكثر ظلامًا.

أمضى جاكوب باقي اليوم في مراجعة الملفات وتجميع المعلومات، بينما كانت الأنوار في المركز تنطفئ تدريجيًا مع حلول الليل. كانت الغرف تملأ بالظلام، وعاد الضباب ليكتسح الممرات، مما جعل الأجواء تبدو أكثر غرابة.

في هذه الأثناء، كانت جيسيكا رايت، الممرضة، تتجول في أروقة المركز، تراقب كل حركة لجاكوب باهتمام. لم يكن واضحًا إذا كانت لديها دوافع خفية أم لا، لكن مشهدها الغامض لم يفلت من ملاحظة جاكوب.

عندما حل المساء، أدرك جاكوب أنه قد يكون بحاجة إلى المضي قدمًا في هذا اللغز بطرق غير متوقعة. كانت الأجواء في المركز تزداد قتامة، وكان يتعين عليه التعامل مع الأحجيات النفسية التي تواجهه.

السراب الداخلي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن