الفصل التاسع

1 0 0
                                    

دخلنا الى السيارة مع بعضنا، وقد كنت قد ارتديت ثوباً بسيطاً بلون سمائي باهت، واعتمرت قبعة بيضاء، و اكتفيت بحمل حقيبة صغيرة اضع فيها المال الذي اعطاني اياه اوليفر.
جلست بيلا بيني وبين ناثان في المقعد الخلفي، وفي مقعد السائق يجلس شاب في بدايات العشرينات، بشعر كستنائي وعينان زرقاوان، التفت الينا وهو يلقي التحية بابتسامة، فقالت بيلا
-اورسلا، هذا مارتن، انه صديقي.
اومأت برأسي بابتسامة فاخبرته بيلا بأسمي، رحب بي بسعادة وانطلق في قيادة السيارة، كان الصمت مقلقاً لسبب ما، وناثان قد امتنع عن التدخين، فأخذ ينظر من النافذة الى الشارع، وكنت استطيع رؤية انزعاجه الذي بذل جهدا في اخفائه بوجه خالٍ من التعابير.
مرت الدقائق ونحن نتأمل الشارع، وبيلا تقلب في هاتفها تارة ثم تقوم بتكرار وضع احمر الشفاه خاصتها تارة اخرى، حتى قطعت الصمت بانزعاج
-ولكن ما بالكم ياقوم، لماذا انتم صامتون؟ هل انا في رحلة مع شلة اموات.
حدقت بها بذهول، ولا اعلم كيف سأرد عليها، فقالت
-لست آبه بناثان المتعجرف، انه ليس على قيد الحياة على اية حال، اما انت يا اورسلا، لماذا لا تتحدثين؟
-ليس كذلك، انا فقط لا اعلم ما سأقوله.
-اذن، دعيني اسألك بعض الأسئلة، متى اتيتِ الى منزل العمة ايفا؟
اجبت بتردد
-البارحة
-حقاً، ومن اين؟
-من امستردام.
-امستردام، واو، لقد زرتها قبل فترة، انها جميلة، ولكن هل تعيشين هناك مع اسرتك؟ كم فرد في العائلة؟
اجبت بتردد
-انا، اجل، مع اوليفر، انه اخي الاكبر.
-ماذا عن ابيك و امك؟
وكان ناثان قد وجه انظاره الباردة الينا، عندما اجبت
-لا امتلك اماً و اباً، انا متبناة. ولكنني اعيش مع والد اوليفر، ولا امتلك اية معلومة عن امه، اذ يبدو انها متوفية منذ زمن طويل.
شهقت بيلا شهقة متفاجئة، وقالت بصخب
-لا اصدق، متبناة، هذه المرة الاولى التي ارى فيها يتيماً في حياتي، انتظري دعيني اسئلك بعض الاسئلة، هل يمكنني هل يمكنني؟
اومأت بتردد، فقالت
-هل تعرفين امك و ابيك الحقيقيين؟
هززت راسي رفضاً وكنت في ذات الوقت اتبادل النظرات مع ناثان بشكل خاطف، الذي بدا وكأنه يقرأ ما في داخلي لوهلة، فقالت
-كيف؟ اذن كيف تم تبنيك؟
-لقد قال اخي انهم تكفلوا بي عندما كنت بعمر ثلاثة اشهر، وكنت لا ازال في المستشفى.
-لا اصدق، يا لها من دراما. انت حتى لا تعلمين ما ان كانا على قيد الحياة
-انها ليست دراما، يحصل هذا للبشر، انني شخص عادي كثيراً ولا وجود للدراما في حياتي
-هذا واضح. اذن اخبريني، كيف هو شعوركِ و انت لا تعرفين من قامت بولادتك؟
ابتلعت ريقي، وقد اصبح صدري ثقيلاً لسبب ما، فنطق ناثان من الجانب ببرود
-لدي معلومة يمكنها ان تثيرك يا بيلا.
-ماذا؟ ماذا حقا؟ لا اصدق انك تشارك في الحديث اخيراً، وما هي هذه المعلومة؟
اعتدل في جلسته
-ان لك موهبة خارقة لا يمكن ان يظاهيك فيها احد.
اجابت بتغنج
-حقاً؟ وما هي؟
-هنالك نوع من القردة التي تعيش في جنوب امريكا، تسمى قردة هاولر، ويقال انها تمتلك اكثر الاصوات صخباً في العالم، اذ يمكن سماع ندائها على بعد خمسة اميال، اما موهبتك يا بيلا، هي انك ستتمكنين من تقليد اصواتها بسهولة.
فغرت فاهها بوجه محمر، وانا كنت منبهرة بتلك المعلومة، فاكتفيت بقضم شفتاي،  اما ناثان، فلم يتحرج من اطلاق ضحكة ساخرة، وسط صرخات بيلا
-ماذا؟ ايها الوقح المتعجرف! كيف تجرؤ؟
-اجل اجل،ارفعي صوتك قليلا بعد، لقد كدتِ تنجحين في ذلك، لا لحظة اخفضيه قليلاً، يبدو انك ستتجاوزين طبقة صوتها حتى.
-ناثاااان.
-لا داعي للصراخ، انني اسمعكِ ولو كنت على بعد خمسة اميال . ولكنك اثبتتِ نظريتي بجدارة.
قضمت على شفتها بوجه محمر، وهمست
-لقد اقسمت انني لن القِ بالاً لسخريتك، ولكنك اصبحت تبالغ، لا تثر حنقي امام صديقتي الجديدة.
-يجب اعادة النظر في ذلك، اذ لا اظن ان اورسلا قد اعتبرتك صديقة.
استدارت الي وهي تتنفس بذعر
-اورسلا! هل اصبحنا اصدقاء.
نظرت بها مطولاً، واجبت بتردد
-اجل، اظننا سنكون كذلك، ربما، ولكن يجب ان نتعرف على بعضنا اكثر، اليس كذلك؟
-اجل اجل، بالفعل، ولكنني متأكدة من اننا سنتوافق.
فقال ناثان وهو يحدق بي بجمود
-لا تقلقي، اورسلا، انني اعلم ان جوابك الحقيقي هو لا.
اجبت وانا اطرق برأسي
-توقف.

أورسلاWhere stories live. Discover now