الفصل الثاني عشر

0 0 0
                                    

طرقت باب غرفة ناثان، فظهر امامي في اقل من دقيقة، وكان قد تخلص من نظارته الطبية تلك، ويبدو انه قد انتهى للتو من غسل وجهه، فقال وهو يفتح الباب على مصراعيه
-اهلا بك.
دخلت بلا رد، فوجدت ان غرفته تعج بفوضى عارمة
الاوراق متناثرة على المكتب، وعلى الارض اعواد سجائر مستخدمة، واوراق ممزقة، وبينها يرقد ليو ويمطط ذراعيه وساقيه، وهناك في زاوية نائية سرير بفراش ابيض مبعثر، فتنهدت والقيت نظرة اليه
-اتعيش بهذه الفوضوية؟
-كلا، ولكنني لا املك الوقت للترتيب.
-عظيم، انك تشبه اوليفر في ذلك، لذلك اعتدت على تنظيف غرفته بنفسي دوما.
عبث بشعره وهو يجيب ببرود
-بيلي لا تساعدني في شيء.
-يمكنني فعل ذلك، فأنت بمثابة اوليفر على اية حال.
قطب حاجبيه باستغراب، اما انا فاكتفيت باظهار تعابير باردة، اذ قررت في هذه اللحظة ان اعامله كما اعامل اوليفر، ولا ينبغي لذلك ان يساء فهمه. فأمسكت بربطة شعر كنت قد علقتها في جيب تنورتي القصيرة، وهممت بمحاولة جمع شعري نحو الخلف، ولكنني دوما ما افشل في جمع كل الخصلات بسبب كثافة شعري، فنظرت اليه نظرة باردة، وقلت
-اتساعدني في هذا؟ لقد اعتاد اوليفر ان يربط شعري لي.
ابتسم ابتسامة جانبية، ثم وضع كلتا يداه في جيبه، وقال
-لكنني لست اوليفر.
-يمكنك ان تكون كذلك، اعني، هيا، ما المشكلة في مساعدتي؟
تقدم ببطء الي، وكان قلبي يرتجف، ويتسارع اكثر مع كل خطوة يخطوها نحوي، فقال وهو ينحني قليلا الي
-المشكلة يا صغيرتي، بأنني ناثان، استخاطرين حقاً في اعتباري اوليفر؟
املت برأسي، واجبت بمكابرة
-ليست لدي مشكلة في كونك ناثان، لا اشعر انك مختلف كثيرا، انت بمثابة اخي الاكبر ايضا.
ابتسم ساخرا، وهمس
-حقاً؟
اومأت برأسي بنبضات متسارعة، فبسط كفه لي مشيراً بأن امنحه رباط الشعر، ففعلت، والتفتت اماما لامنحه المجال، واذا بي اشعر به يدفن انامله بين خصلات شعري، وطفق يجمعها مع بعضها شيئاً فشيئاً، وكان يشدها ببعض العنف، على عكس اوليفر الذي اعتدت على رقة لمساته، ولكن لسبب ما، كانت لمساته تربكني، تسارعت انفاسي في محاولاتي لابطاء نبضات قلبي، وعندما انتهى منها، زممت شفتاي ببرود، وحدقت به بوجه خال من التعابير
-اشكرك، لم يكن صعبا، ارأيت؟
-اجل، ان لم يكن قلبكِ ينبض بتلك القوة لتمكنت من التركيز على ما اقوم به. ولربطت شعرك بشكل اسرع.
ابتلعت ريقي
-ينبض هاه، انك تحاول اقناع نفسك بهذا، اخبرتك بأنني اعتبرك بمثابة اوليفر
-اجل، لقد صدقتك.
فابتسمت له ببرود، وهممت في ترتيب الغرفة، فتبعني في ذلك، وكان يمرر الي نظراته تارة واخرى، واشعر بهالة غريبة تنبعث منه، وكنت مقرفصة امام كومة من الورق وانا احاول جمعها في كيس بلاستيكي، وساقاي قد برزا من تحت التنورة، فحاولت قدر الامكان ان اخفيهما، فشعرت به يقرفص بجانبي، وقد ارتسمت ابتسامة حقيرة على ثغره، رمقته نظرة خاطفة، فسمعته يهمس
-هيه يا اورسلا
-ماذا هناك
-اهذه فكرة جيدة برأيك، ان اكون بمثابة اوليفر؟
-اجل، كثيراً، انت مناسب جداً لتكون اخي الاكبر.
-هل كان اوليفر يركز فيكِ لدرجة انه استطاع ان يعرف حجم صدرك؟
اتسعت عيناي، وتجمدت في مكاني احدق في الفضاء كالمخبولة، ووجهي قد استحال الى حبة طماطم شديدة الحمرة، فاطلق ضحكة خافتة، وانحنى الي وهو يهمس.
-لا تقلقي، لم احزر بعد.
ثم ابتسم ابتسامته السافلة، ونهض وهو يدمدم
-ثمانية وثلاثون، بي، او ربما سي، هممم
ابتلعت ريقي باوصال مرتجفة، ثم نهضت وحدقت به بارتباك
-ن، ناثان.
التفت الي، ثم اطال النظر وقال بتهكم
-ماهذا، ان وجنتيك محمرتين، لا اصدق، اتخجلين؟
ابتلعت ريقي، فقال وهو يعقد ذراعيه
-لا اصدق انكِ تخجلين من اخيك الاكبر، اظن انكِ لا تحسبينني اخا، بعد كل شيء.
-كلا، ليس كذلك، انه فقط.
-الم يفعل اوليفر ذلك من قبل. لقد ظننت انه من يشتري لك كل شيء، حتى ملابسك الداخلية.
اعرضت عن الرد، فتنهد بسخرية، وانشأ يجمع الاوراق عن مكتبه بلا مبالاة، فهرعت بسرعة الى الطاولة لاسكب لنفسي بعض الماء في الكوب، وعندما شربت منه قليلا رأيته يتكأ بجانبي،  وكان يمسك عوداً من الشوكولا، ثم قسمه الى نصفين وقدم لي احدهما، وهو يقول
-لقد وجدت طعام الاخوات المفضل.
ابتلعت ريقي وقبلتها منه باصابع مرتجفة، فطفق يتأملني باستمتاع، عندما قضم من خاصته قضمة صغيرة، واشار لي ان افعل المثل، فاذعنت بلا كلمة، وقضمت قضمة من هذه الشوكولا، كانت ذائبة لدرجة انها لطخت شفتاي، فاطرقت برأسي وبدأت امسحها بأصابعي بتوتر، فشعرت به يمسك بذقني، رفع رأسي رغما عني فاتسعت عيناي بارتياع، وتوقف قلبي عن النبض لوهلة، عندما اظلمت عيناه وابتسم بجانبية، ثم مرر ابهامه ليلامس شفتاي، كنت اشعر بروحي قد غادرت جسدي للحظة، والدم لم يعد يتدفق لأي جزء من جسدي، وتجمع كله في قلبي، فغدا في اشد حالاته احتقاناً، عندما شعرت بملمس اصبعه يتحسس ثغري ببطء، علمت انه يحاول ارباكي، يحاول ان يرى اسوء حالاتي.
وبينما كنت متحجرة كالتمثال، همس وهو ينحني قليلا الي
-الا تعلمين حتى كيف تأكلين؟
ابتلعت ريقي عندما رأيته يبتسم ويلتفت الى الناحية الاخرى، فتنفست الصعداء، ودمدمت بتردد
-ن، ناثان، مالذي تحاول فعله؟
-ماذا؟ اهنالك امر غريب؟
-ك، كلا، لكن، انت فقط، اكثر جرأة.
رشقني بنظرة خاطفة، وقال ببرود
-انني اعاملك كأخٍ اكبر، و إن شعرتي بالغرابة والارتباك، فهذا يعني انك لا تعتبريني كأخٍ اكبر، وعلينا العودة الى وضعنا الطبيعي.
-كلا، انا لا اشعر بالارتباك.
-عظيم، لا مشكلة اذن. ولكن، الم يكن اوليفر يفعل ذلك لك؟ لا بد انه كان اخ اكبر سيء
-كلا، لقد كان افضل اخ في العالم.
-ربما قد اغلبه في ذلك.
تجاهلت ذلك، وعلمت ان هذه المهمة اصعب مما تبدو، ولكن علي فقط ان اتجنب سخريته ومقالبه، وسيتم كل شيء على ما يرام.
انهمك في ترتيب اوراقه، في الوقت الذي جمعت  فيه النفايات من على الارض، وعندما كدنا ان ننتهي توجهت الى السرير، وانغمست في ترتيب الفراش، فوجدت تحته اوراق صغيرة، لم اكن انوي ان اتفقدها، لو لا اني رأيت بينها صورة صغيرة، فرفعتها بارتباك.
كانت صورة لطفل صغير يبدو بعمر الثامنه، يرتدي ملابس بنية داكنه، وعيناه ذابلتان حادتان، هذه الهالة الغامضة، لا يمكن ان تكون سوى لناثان. فابتسمت والتفت اليه بحماسة
-لا اصدق، هذا، هذا انت؟
نظر الي بجمود، فامسكت الصورة باحكام واخذت اتفحص فيها ببلاهة، واذا به يتقدم نحوي وهو يقول بصرامة
-من اين وجدتيها، لا، لا تحدقي
-لماذا؟ تبدو لطيفا، جدا.
-اورسلا، هذا.
فهربت منه بمجرد اقترابه، ولكنني لم اكن بتلك السرعة، اذ شعرت به ينتشلني من ذراعي، وجرني اليه بقوة عجزت عن مقاومتها، ثم جذبني اليه واذا بي ارتطم بصدره، فتوقف عقلي وجسدي عن العمل، شعرت بدفء جسده، عندما مرر كفه الى كفي وسرق الصورة بهدوء، ثم سمعته يهمس بجانب اذني
-ليس الآن، لن اريك صور طفولتي الآن.
اطرقت برأسي على صدره بوجه محمر، وكانت انفاسي تتساوى، فشعر ناثان بذلك، فأذا به يحاوط خصري بذراعه، ثم جذبني اليه حتى التصق بطني ببطنه، فاتسعت عيناي وحدقت به بانفاس متسارعة، عندما رسم ابتسامته السافلة، وهمس
-الم يفعل اوليفر هذا؟
اجبت متظاهرة بالهدوء
-بلى، انه يعانقني كثيرا.
-لماذا تحمرين خجلاً اذن؟
ابتلعت ريقي، فشعرت به يقبض على ذقني مرة اخرى، ثم اقترب وقال بهمس
-لا بد انه لم يفعل هذا.
كنت احاول الاجابة، ولكن قبضته قوية، فاكتفيت بالهمهمة، فاطلق ضحكة خافتة، ثم رفع رأسي بقوة، ودفعني بعنف لأتهاوى على السرير، حدقت به وانا الاحق انفاسي، والنار تلتهم وجهي، اظلمت عيناه وقال
-لا بد انه لم يفعل هذا ايضا.
قبضت على الشرشف بقوة، شعرت بقلبي يغادر اضلعي، وبت الاحق انفاسي المتسارعة، بادلته النظر في عيناه، فقال
-لا اظن ان هذا سينجح، اترغبين بذلك لتلك الدرجة؟
اومأت برأسي، فانحنى الي وهمس بتهكم
-وماذا ان اثبتت لك انك لا ترغبين بذلك في قرارتك؟
-لا يمكنك.
ابتسم بجانبية، ثم جلس بجانبي على السرير وقال وهو يطبطب على فخذه
-هلمي.
اعتدلت في جلستي، وقلت باستغراب
-ماذا؟
-اجلسي في حجري.
احمر  وجهي خجلاً، وطفقت اتأمله بحيرة
-هيا، لابد انك جلست في حجر اوليفر مراراً وتكراراً، وان كنتِ تعتبرينني اخ، لن يكون هذا صعباً عليك.
-ل، لماذا؟
-انه مجرد تحدٍ
-لا اقبله.
-لنعد على عدم كوننا اخوة اذن.
ابتلعت ريقي، وقلت باوصال مرتجفة
-انتظر، س، سأحاول.
ابتسم ابتسامته تلك، فنهضت من السرير، وساقاي تتخبطان ببعضهما، فنظرت اليه بتردد، ثم اقتربت شيئا فشيئا، وقبل ان اتراجع انتشل كفي وسحبني، مرغما اياي على الجلوس على احد فخذيه، شهقت شهقة خجلة، وتقلص جسدي، ثم قبضت على عنق قميصه وتشبثت به كطفلة صغيرة، اصبح وجهينا في المستوى ذاته، فغدوت اشعر بحرارة انفاسه على بشرتي، كل شيء اصبح كالحلم، الحلم الذي لا يمكن ان اتحكم في مجراه، بل اجلس هناك في مكاني، يغمرني شعور غزير يكاد ان يتفجر في داخلي، ويهشم جسدي الى اشلاء، شعور كالموت، همس بصوت خافت
-هذه فرصتك الاخيرة، انه تحدٍ سهل، و ان نجحتِ به، فأعدك انني لن انظر اليك اكثر مما انظر الى بيلي.
-لماذا كل هذا؟
-لانه ممتع.
واستأنف وهو يقترب قليلا
-خمسة دقائق، ان لم تبادري بتقبيلي خلالها، ستفوزين.
فقلت بهلع وانا احاول ان اتحرر منه
-مالذي تقوله؟ هذا، محرج.
-عليك ان لا تفعليها فحسب، اليس هذا سهلاً؟
-ولكن، لكن، م، مالذي نفعله، ماذا عن ب..
كنت سأنطق باسمها، ولكنني شعرت باصابعه تلامس خصري، فنسيت كل شيء، حتى لم اعد اتذكر شيء غير اسمي، نظرت في عيناه بتخدر، وفعل هو المثل، فهمست له
-ستكون بعدها اخي الاكبر؟
-سأكون بعدها اخيك الاكبر.
-هذا سهل، فأنا لن ابادر بتقبيل رجل حتى وان كنت شغوفة بحبه، فلست من هذا النوع من الفتيات. انني شديدة الرزانة لعلمك فقط.
-هل انت متأكدة؟ فلا احد يمكنه الصمود امام التنهدات.
-التنهدات؟
ابتسم ثم اطلق تنهيدة هادئة، وابتلع ريقه وهو يقترب ليلامس انفي بأنفه، فهمست برجفة
-مالذي تفعله؟
-اتصرف مثل اخ اكبر.
فأغمضت عيناي، وكذلك فعل هو، فارتخت ملامحي، قبضت على قميصه لكيلا اسقط في احضانه.
اطلق تنهيدة هادئة، ففتحت نصف عيناي، وهمست
-ماذا تفعل؟
-استعد.
ابتسمت ساخرة
-لن يحصل ذلك ابداً.
بادلني الابتسامة، ثم مرر كفه ليلامس ذقني، رفع رأسي لتتقابل شفتينا، ثم تنهد مرة اخرى، فشعرت بجسدي خائر القوى، همست بهذيان
-ناثان!
فهمهم بتنهيدة اخرى، ومع كل تنهيدة كنت اشعر بالدماء تزداد غلياناً في صدري، همست بعينان ذابلتان
-يالك من رجل سافل.
اجاب بهمسة متعبة
-ها قد اكتشفتِ ذلك، تهاني.
ابتلعت ريقي، وشددت قبضتي الواهنة على موضع قلبه، وعدت لأهمس
-مالذي ستقوله لزوجتك المستقبلية؟
-أنك كنت جيدة لدرجة اشعرتني بالموت.
-مالذي تهذي به، سأخبر بيلا بكل شيء
-افعلي ذلك. لا يهم.
-لقد نعتت حياتي بالرخيصة، اما انت فتعيش حياة قذرة.
-احبها هكذا.
اطبقت جبهتي على جبهته وانا الاحق انفاسي
-.يالك من وغد، انني اشفق على بيلا.
-يجب ان تشفقِ عليها.
-ارجو ان لا يبتليني الإله بزوج خائن مثلك.
-اتمنى لك ذلك.
وتنهد مرة اخرى، فابتلعت ريقي وهمست بلا حيلة
-هلا توقفت عن التنهد؟
-لا.
فتنهدت معه، والحرارة ترتفع الى رأسي، حتى بدت كالحمى
-كم مضى؟
-ثلاث دقائق، ايصعب عليك الصمود اكثر؟
-بل اسهل من رشفة ماء.
اطلق ضحكة ساخرة ثم  لمس كفي لمسة رقيقة هامساً
-قد يُدفن هذا في الذاكرة.
-بل يجب ان يدفن.
فوضع كفي على مستقر قلبه، وطفقت اتحسس نبضاته، كل شيء بدا جذاباً، كالحلم الذي اعلم انه لن يتكرر مرة اخرى، فأغرق فيه للمرة الأولى والاخيرة، احتضنه للترحيب واقبله قبلة الوداع في الوقت ذاته، انظر الى عيناه ثم اتأمل شفتيه التي لم يخجل من الافصاح عن ارتباكهما، تأملت عنقه وهو يبتلع ريقه مرة بعد اخرى، وكأنه يحاول ان يحتجز شيطانا ويمنعه من الخروج، ولكنه كان يهرب مراراً وتكراراً، فاكتفى بالتحديق في ثغري، كما لو انه ينظر الى خلاصه الوحيد، قبلة! اهذا حقاً تحدياً لأثبات اننا اخوان، ام للتأكد بأننا لا يمكن ان نكون كذلك ابداً!
ربما نحن، اكثر من مجرد لا اخوان، نحن اكثر من ذلك بكثير، وقد حصل هذا كله في فترة قصيرة، لدرجة انني لا اكاد اعد الايام، اثنان او ثلاثة، لست ادري، فما كل هذه الجاذبية؟ روحه كالمغناطيس، تسرقني مع كل مرة ينظر الي، من اين بدأ هذا؟ وكيف سينتهي؟ احقا سأطبع آثاراً على اروقة ارض لا يمكن ان امكث فيها؟ هل سأخطوا على تراب مملكة ليست لي؟ ولماذا لا تغلق هذه المملكة ابوابها في وجهي. لماذا تجتذبني اليها. اهذا فخ ما؟
تحسست وجنته بأناملي، وانا اغرق في سحر عيناه، ثم مررت ابهامي على شفته السفلى، فأغمض عيناه وحبس نفساً في صدره، فأملت وجهي اليه، متظاهره بأنني سأطبع قبلة على شفتيه، فعقد حاجبيه وابتلع ريقه بعينان مغمضان، فتوقفت على بعد مليمترات، وهمست برجفة
-يا له من فخ رخيص يا ناثان.
فتح عيناه الناعستان،  فقلت وانا احاول ان انظر في وسطهما
-لقد انتهت الخمس دقائق، سأنسى كل هذا، وسأعتبرها محض نزوة.
تأمل عيناي بصمت، فابعدت وجهي عنه واستأنفت بتردد
-لقد قال لي احدهم، ان الرجل يتمنى ان يقبل اي فتاة جميلة يراها، ولا يمكن لهذه الرغبة ان تقاوم، اذ يمكنني تفهم هذا كله.
-و؟
-ما اقصده، ان هذا كله اشعرني انني جميلة.
-لا يمكنني اثبات عكس ذلك.
-عظيم، ولكنك وسيم ايضاً
ضيق عيناه بتهكم، فأستتليت ببرودة متعبة
-تتمنى الفتيات ان يقبلهن اي رجل وسيم يرينه، هذه طبيعة البشر.
-مالذي تحاولين قوله اذن؟
- ان لاشيء يحصل بيننا سوى ما قد يصيب الجميع عندما يبادلوننا النظر.
ابتسم ابتسامة جانبية
-اورسلا!
-لقد اخبرني هذا الرجل، برغم انها كانت المرة الاولى التي يقابلني فيها، بأنني جميلة، وهذا يمنحه رغبة في تقبيلي، اذ ينجذب الكيان البشري الى الجمال. لقد تملكتك هذه الرغبة، ولن اعتبر تعابيرك ككلمة "احبك يا اورسلا" اذ انجذبت انا كذلك لهذا السحر، ولكنني لن اقول "احبك يا ناثان" برغم انني كنت على وشك ان ابادر.
ابتلع ريقه، فقلت وانا اعتصر قميصه برجفة
-ولكنك ذكي جداً، يا لها من طريقة للحصول على قبلة من فتاة جميلة، وفي الوقت ذاته الفوز في تحدٍ لن تخسر فيه ابداً، حتى وان تمت هزيمتك، اذ لا يمكن اثبات عكس ذلك ابداً، لن اكون اختك الصغرى، حتى وإن فزت، طالما انني اجلس هنا في حجرك، اتبادل معك التنهدات، كلا. لن اكون اختاً ابداً، لقد فزت انت، بالرغم من انك خسرت.
اطرق برأسه، ويبدو انه قد استوعب كلامي اخيراً، فقال ببعض التهكم
-عندما تستغرقين في خلق نظرية، الا يجب ان تنظري الا مفنداتها، قبل ان تنطقِ بها؟
طويت حاجباي، عندما قال
-معظم كلامك صائب، ولكنك افلتتِ تفصيلة مهمة.
شعرت بأصابعه تتحسس خصري، عندما قال
-إن بيلا اشد جمالاً منكِ بكثير، وتلك الامرأة في متناول يداي.
-ومالذي تحاول قوله؟
دفعني عن حجره، فنهضت بارتباك، واخذت ابادله النظرات بانفاس متلاحقة، رأيته يبتسم بثقة. ثم نهض ايضا فرفعت رأسي اليه، وقلبي ينبض كالطبل.
امسك ذقني بأنامله وقال
-سأترك هذا لكِ أنتِ، يمكنك ان تصنعي نظرية اخرى لتفسيره. ولكن تأكدي في هذه المرة الا تهملي التفاصيل الدقيقة.
ثم ربت على شعري، واخرج سيجارة و دفنها بين شفتيه، وخطى بعيداً عني، يبحث عن ولاعة في جيبه.

خرجت من الغرفة، ولم اعد نفسي، صدري يحتجز عبرة، وجدتني اخطو بعيداً عنه، اقترب من البوابة الداخلية بقلب فارغ، سقطت دمعة من عيني فمسحتها بسرعة، واطرقت برأسي.
وعندما اصبحت في الغرفة التي اعدتها الخالة لي، اغلقت الباب واسندت ظهري عليها، واجهشت بالبكاء، بكاء مختنق صامت، لا يسمعه احد، حتى حشرات النمل التي تدخل في ثقب الباب.

أورسلاWhere stories live. Discover now