كان لوكاس قد اتخذ موضعا في منتصف الغرفة، على الاريكة التي ينام عليها جده ارثر، وقد فرش امامه مجموعة كبيرة من الصور، يسند كوعيه على ركبتيه ويعبث بذقنه وهو يكاد ان يتوه بين افكاره، فومض الى ذاكرته مشهد ما، عندما كان في ربيعه الخامس، في تلك الليلة الباردة من ايام فبراير، يغطي الجليد حواف النوافذ، ونهايات اغصان الاشجار، ويترك كل شيء في حالة من التخدر، حتى انفاسه.
كان طفلاً شقياً، يترك عائلته دوما في حالة من الهلع، عندما ينصرف عنهم على حين غفلة، ويسير ويلعب في الارجاء. وهذه المرة وجد نفسه مع عائلته في مشفى الولادة، لم يكن يعلم ما سبب وجودهم هنا، ولماذا بدا كل شيء متوترا، ولكنه يتذكر ذلك اليوم كما لو انه قد حدث بالأمس، حيث سمع صوت ابيه يدمدم بشأن رقم غرفة ما
مئة وثلاثة، حقاً؟ ولكن، لا يمكننا اثبات ذلك.
وتجيب السكرتيرة ببرود
-نعتذر، لقد تم اكمال الاجراءات، ولكن قد تتمكنون من محادثة الرجل، لا بد انه لازال هناك، او ربما قد غادر.
-ولكن، الا يمكن حقا ان....واستمروا بالثرثرة، فانفصل لوكاس في تفكيره عنهم، ولم يعد يذكر شيئاً من حديثهم، وعندما انتبه الى ان الجميع قد غفل عنه، تراجع بخطوات صغيرة، وذهب يسير بين الممرات، وسط فوضى البشر، وصخب المرضى، وصرخات الاطفال، وعندما ابتعد كثيرا، وجد ممرضة تسحب معها سرير لطفل يبدو في حالة حرجة، وهي تصرخ على الناس
-بسرعة، افرغوا لي الطريق للغرفة مئة وثلاثة، لابد ان العائلة قد انتهوا الآن.
وخرج من الغرفة التي امامها عائلة، وكان الاب يحمل بين ذراعيه طفلة رضيعة، فنظر لوكاس الى الغرفة تارة، والى العائلة، وعندما دخلت تلك الممرضة، راح يلحق بالعائلة، ويستمع الى حديثهم الصاخب
-اسميتها اورسلا، حقاً؟
-لم اتوقع انك ستأتي بأسم كهذا، يا له من نادر.
وقبل ان يغادر بعيداً معهم سمع صرخة والده من الخلف
-لوكاس، بحق الله، الوضع لا يتحمل، التصق بي فحسب.
-ابي.
فتقدم اليه والده بتعابير مكفهرة، فارتعش جسده الصغير بخوف، واذعن لصرخة والده المدوية وهو يهم بسحب اذنه كوسيلة للتوبيخ
-لقد بحثت عنك كثيراً، الم اخبرك ان تتوقف عن عاداتك اللعينة هذه؟ هلا اصبحت طفلاً مطيعاً ولو لمرة؟ بمجرد ان ابعد عيناي عنك تتلاشى عن الانظار، الا تدرك اننا قد وقعنا في مشكلة ولا يمكننا النظر الى الاوراق واليك في الوقت ذاته.
طفق لوكاس بالبكاء، ولكنه كان يعلم، بأن عليه ان يقول شيئاً واحدا، فاشار وسط دموعه الى تلك العائلة، وقال
-اورسلا، هناك، اورسلا.
فشده والده معه، وهو يتمتم باللعنات، واستمر لوكاس بترديد اسمها بلا توقف. منذ ذلك الحين، وهو يشعر بأن شيئاً قد فُقد من روحه، ولن يتمكن من اكماله، قبل ان يجدها.
كان في صغره يعاني من صعوبة النطق، فكان يخبرهم بأسمها مراراً وتكراراً، ولا احد يفهمه، وعندما اصبح كبيراً، تناسوا كل شيء، ولم يعد لقصته تأثيراً. لم يصدقه احد.
فعاد الى اللحظة الحاضرة عندما سمع صوت ويليام يحدثه
-هل وجدت شيئاً مهماً يا لوكاس؟ مالذي تفعله بهذه الصور؟
وكان على الطاولة صور كثيرة لأورسلا، في مطعم ما، وهي في الخامسة عشر من عمرها، تحتفل بيوم الميلاد، صور لها وهي تعانق اوليفر في احتفال الكريسماس، صور لها على جسر لندن، صور لها وهي تلاعب قطة ما.
فرفع احداها وقال
-لقد وجدت كل شيء، كل ما ابحث عنه.
-مالذي تقصده؟ اتقصد انها هي؟
-اجل.
واخرج من بين الصور كيس يحتوي على شعرة سوداء، وقال بإبتسامة شاحبة
-سأجري لهما فحص الأبوة.
تنهد ويليام وجلس على مقربة منه.
-وهل حصلت على عينة منها؟
-سأحصل، تعرف انني لا انتظر الصدف، ولكنني اصنعها.
ثم نهض وهو يحدق بالشعرة بابتسامة
-ولكن الصدف قد تحصل احيانا، قدومها الى تشيسوك، في المكان الذي اغني فيه، والى تشيلسي. ان القدر يجمعنا يا ويليام.
-لقد لاحظت ذلك، ما احتمالية ان تريا بعضيكما في مدينة مكتظة بالسكان، مثل تشيلسي؟
-ربما اقل من صفر بالمليون. لا؟
ثم اطلق ضحكة ساخرة، وقال
-قد نعود الى باريس قريبا يا صديقي، قريباً جداً، وسنعيد معنا ما سرقته لندن منا.
.
.
يتم...
YOU ARE READING
أورسلا
Romanceها انا ذا، احلق بين الوديان والجبال، ومن جانبي حدائق لم ارها من قبل، ولكنني لا اختار وجهتي، اسير عكس اتجاه الشمس، ويحملني هذه القطار الى حيث يشاء، الى موضع الأمان الذي لم يكن آمناً يوما. ها هو ذا المسار المقرر لي، اما قلبي، يهوى فكرة الركض والتدحرج...