(سندس)
بعد أن رأيت دانة امامي سحبتها الى الداخل وأنا مازلت محتظنة لها. لم أستطع لحظتها أن أبعد يداي عنها فشعرت كما لو انني في حلم لا اود الاستيقاظ منه وأنا مازلت أتنفس وأشعر ما يدور حولي.
جلست على الاريكة ووضعتها في أحظاني. لم أكن أعلم ان كان يجب علي سؤالها حول ما حدث لها لكن فضلت الصمت في تلك اللحظة وهي ما زالت تبكي. ظننت بأن بسبب بعدها عني أستمرت في هذه البكاء الموجع. كنت ممسكة بيديها وانا اقبلها ورأسها في احظاني. تلاعبت بخصال شعرها السوداء الجميلة. وبينما هي كانت مستمرة في بكائها غططت في نومها العميق.
لم أود ان اوقضها أو ربما أخذها الى غرفتها الخاصة لكن أردت ان تطول هذه اللحظة وهي بين احظاني.
بعد لحظات قليلة أتى محمد من الخارج وهو فزع حتى تصنم في مكانه وهو يرى دانة بين يداي.
أبتسمت له وانا أحاول محاربة دمعاتي من شدة فرحتي.
قال فزعا, "شنو الي صار؟ شون رجعت؟"
قلت له بصوت خافت, "اششش نصي صوتك لتكعد قبل شوية نامت."
"سندس تركيها هنا وتعالي نحجي بالغرفة الثانية."
بالرغم أنني لم أود مغادرتها لكن كان له الحق في معرفة ما دار قبل فترة قصيرة لذا أخذت وسادة كانت بالقرب وسحبت نفسي واضعتها تحت رأسها. نظرت لها لاخر مرة مقبلة رأسها ثم ذهبت مع محمد الى الغرفة المجاورة وانا انظر له.
قال لي, "شنو الي صار منو رجعها؟"
قلت له ببساطة, "ما اعرف."
رفع حاجبه بتسائل وهو ينظر لي, "شنو متعرفين؟"
"والله ما اعرف."
"سندس دانة شون صارت هنا؟"
نظرت له للحظات حتى أخبرته قائلة, "من خلصت وية وليد رجعت لهنا ورة شوية اندك الباب, فتحتة لكيتها كدامي."
ضحك مستهزءا, "هيج يعني نزلت من السمة؟"
شعرت بغضب أجهله, "محمد ما اعرف بس المهم هسة دانة هنا."
أخذ نفسا عميقا ثم أقترب نحوي. أمسك كفوف يدي وهو ينظر لي, أبتسم قائلا, "صحيح هذا المهم."
سحبته لي واضعة يداه خلف ظهري ليحوطني, رفعت نفسي قليلا مغمضة عيني وانا اقبل شفتيه, شعرت به وهو يسحبني اليه بقوة. أبعدت نفسي عنه قليلا موقفة تلك القبلة وانا احاول ان التقط انفاسي وانا انظر في عينيه. شعرت بلمعان عينيه وهو يناظرني.
بدت الحياة جميلة جدا وأنا أراه امامي, وأنا أرى جميع من أحب حولي. شعور يصعب علي وصفه لكن كان شعور جميل قد يجتاحني لأول مرة في حياة قد بدت بائسة قبل ساعات قليلة. أحداث انقلبت في سرعة كبيرة لدرجة لم أتصورها واجهل أسبابها لكن يجب أحيانا أن تشعر بالضياع لتصل الى تلك اللحظة التي لطالما قمت بأنتظارها. لحظة قد تجعلك تعلم من تكون ومن هم حولك. لحظة جميلة تود أستمرارها ولا تذهب الى غيرها فقط لانهم حولك وتشعر بذاك الحب المنبعث منهم لكي يقتحم قلبك لا محالة.
"يبدو أن الأنسان يجب أن يضيع أحيانا ليكتشف دربه بنفسه!" #غادة السمان
أخبرته قائلة بعدما أًصبحت النظرات هي سيد الموقف للحظات قصيرة في الوقت التي أردت أن تستمر. "أروح أشوف دانة."
أبتسم لي حتى أًصبنا بالفزع ونحن نسمع صرخة دانة التي أتت من غرفة المعيشة.
جرد يدي منه وذهبنا بسرعة لنرى مالذي كان يحدث هناك. كان تصرخ وهي ما زالت مستلقية على الاريكة وعيناها ممتلئة بالدموع. ذهبت نحوها وأنا فزعة لا أعلم ماذا يحدث معها. حوطت رأسها بكلتا يداي وانا أحاول أن أدرك ما يحدث. كان محمد واقف بجانبنا وهو ينظر لها وقد بانت عليه ملامح الفزع.
سألتها قائلة, "شبيج دانة حبيبي شنو الي صار؟"
قالت بين دمعاتها, "دا أتأذة."
"من وين حبيبتي؟"
وضعت يدها على جسدها قرب بطنها من جهة الخاصرة من اليمين. "منا." كانت تتحدث وهي تصرخ لنا.
جلس محمد بالقرب على الارض وهو يحدثها بهدوء. "دانة حبيبتي خليني اشوف شنو يوجعج."
أبعدت يدي من بين رأسها وجعلت محمد يرى ما كان يحدث معها. عندما قام برفع "التيشيرت" الذي كانت ترتديه صدمت وأنا أرى جرح قد خيط في ذاك المكان. كان الجرح كبير وقد بان بأنه ما زال جديدا على ما اظن.
وضعت يدي على فمي وأنا احاول ان اكتم صرختي ودهشتي من الذي أراه أمامي. حملها محمد بسرعة وقال شيء لم أستطع سماعه وهو يتوجه نحو الباب الخارجي.
صرخ مرة ثانية حتى صحيت من تلك الصرخة كما لو أنني خدرت لدقائق قصيرة. "سندس!"
بدأت دمعاتي تصب من عيني وانا احادثه, "نعم؟"
"امشي نروح للمستشفى."
كانت دانة ما زالت تبكي وهي بين يدي محمد. وكان هو يحادثها بين الحين والاخر لكي يقوم بتهدئتها.
توجهنا الى السيارة خاصته واضعهة محمد في المقعد الخلفي حيث جلست انا بجانبها وتوجه هو الى مقعد القيادة.
أحتظنتها وكلانا يبكي. كانت هي تتوجع من الالم وكنت أنا أتوجع من الذي حدث لها او ربما سمحت بحدوث شيء لها وأنا مازلت على قيد الحياة.
كان شعور الخوف هو اكثر ما يباغتني في تلك اللحظة غير قادرة على أدراك شيء كما لو ان ذاك الكابوس اخذ مسارا أخر لتبدأ قصة جديدة وتطرق أبواب أخرى غير قادرة على فتح واحدة منهم.
عند وصولنا الى المشفى التي يعمل بها محمد نزل من السيارة وتوجه نحو المقعد الخلفي. فتح الباب بسرعة ساحبني من يدي كي اترجل من السيارة واخذ دانة حاملها متوجه الى داخل المشفى. ذهبت خلفها وأنا أحاول أن أستجمع نفسي لكن كنت على يقين بأن حالتي كانت صعبة جدا لدرجة أنني ممكن أن أفقد الوعي في أي لحظة.
كان كل شيء مشوش من حولي لكن رأيت محمد يأخذ دانة ويتوجه الى أحد غرف الطوارئ مما منع علي الدخول الى هناك وأًصبحت أنتظرهم في الخارج. قبل دخوله نادى على بعض الاطباء الذين يعملون معه وتوجهت الممرضات خلفه حتى أغلق ذاك الباب الكبير للطوارئ مما جعلني في حالة كدت أن أجن بها.
بينما كنت أذهب يمينا ويسارا وأنا في حالة ذعر سمعت صوت يقول لي من الخلف, "انتي بخير؟"
التفت ورأيت فايز خلفي, قلت له متوسلة, "الله يخليك فايز شوف دانة شونها مخلوني ادخل جوة."
"تطمني انا كنت في الداخل. الحين اهي وايد احسن."
سألته مستنجدة, "شنو الصاير؟"
"محمد بيخبرج."
"فايز شنو الي صاير؟"
أمسك ذراعي وهو يقودني الى احد الغرف قائلا, "تعالي معاي ريحي الحين."
كنت أنظر الى ذاك الباب الكبير الذي يبعدني عن حقيقة أود معرفتها لكنه دخل بي الى احد الغرف واغلق الباب. اقعدني على السرير الطبي الذي كان يوجد في وسط الغرفة.
"فايز الله يخليك اريد اروح اشوف دانة."
"هدي شوي سندس. محمد خبرني بخليج هني لين ما يطلع."
"بس ...."
قاطعني قائلا, "تكفين ريحي الحين."
قلت بصوت مرتجف, "ما اكدر الا اعرف شنو صاير."
"طيب!"
أخرج من جيب سترته الطبية أبرة, "بعطيج هذي عشان تريحين."
"شنو هاي؟"
"لا تحاتين مهدأ."
استسلمت لهذا الامر وجعلته يعطني الابرة كي أرتاح قليلا واهدأ لعلي أرى دانة بعد وقت قصير وتكون في حال جيد وليس سيئا كما ظننت.