Chapter 8

1.2K 98 23
                                    

((نحن نبكي دائما في ما بعد))

وجهة نظر أرلينا

أحببت اللوحة، تلك التي إنتهيت منها للتو.

شوارع رمادية بائسة ترقد أسفل إعجاز شروق شمس كسلی بألوان ممتزجة من الأحمر الناري الی الأزرق الباهت.  أشجار طويلة مهيبة، خضراء، في خلفية منتزه مغلق. وبالطبع، نحن.

ليس بدقة عالية، بل بخشونة وفوضوية رسمتنا، بملابسنا السوداء المظللة، هو علی أرجوحة حمراء باهتة، وهي أمامه بقدميها علی التراب.

لم تكن اللوحة بتلك الدقة، ففي النهاية أنا فنانة أميل الی التجريد يهمني الجوهر في اللوحة، وليس الدقة والواقعية، فيقول الفلسفيون بما أن الروح ليس لها شكل معين، اللوحة التي ترسم بدقة وواقعية قصوی ليس فيها روح.

أولئك الذين يرسمون بواقعية لدرجة السذاجة لا يهمهم سوی إستعراض مهارتهم، الأكثر إبداعا هم من يرسمون لنا لغزا برموز غير مفهومة لنعود له مرارا وتكرارا علی أمل فهم شيء. 

فالفنان ليس مصورا بالدرجة الأولی، هذه الوظيفة فقدها من زمان، بل هو يمتلك آلة تصوير بداخله، أما عقله وقلبه ويداه، لديهما حرية التعبير بالألوان عن فكرته.

كنت حاليا في شقتي أدخن سيجارة بعد إنتهائي من اللوحة،  وأنتظر لوك الذي سأذهب معه لمنزل جداي. كما كنت أفكر في إسم للوحتي، لا أدري، أأسميها 'نحن' أم 'الشروق' او ربما 'تائهة'؟  كل الأسماء بدت ساذجة بالنسبة لي لحظتها.

قاطع طرق الباب دوامة أفكاري فأخمدت سيجارتي وذهبت لأفتح للوك، وهكذا أصبحنا جالسين في السيارة وحاجز من الصمت الغير المفهوم بيننا.

كنت أشاهد الطريق يختفي تحتنا ونحن نقطع الجسر الواصل بين منهاتن وبروكلين، كنت أشعر نوعا ما بأنه جسر يفصل بين عالمين مختلفين، فالحياة في منهاتن مختلفة كثيرا عن تلك في بروكلين. وكنت أشاهد البحر الأزرق الغامض تحتنا، بدی جبارا جدا، ومهيبا جدا، فلو وقعنا لحظتها، لو سقط هذا الجسر، لابتلعنا هذا البحر في لحظة دون إهتمام، كالنمل، وكأننا لم نوجد.

هززت رأسي كأنما لأتخلص من الأفكار هذه، من المفترض أن تمنعني الحبوب من التفكير في الموت، أو أي مشاعر سلبية حقا، ولكن أحيانا تتسرب بعضها الی عقلي، أعتقد أن أفكاري مثل نفق، كلما تعمقت أكثر، كلما أصبحت مظلمة أكثر.

"وصلنا" قال لوك بهدوء قبل أن ينسحب خارجا من السيارة، لحقت به، وأنا أتدرب في عقلي علی كل المفردات اللائقة، وأكررها مجددا كي لا أنسی.

كنت أحب هذا المنزل، بتصميمه الروماني العريق، بالنوافذ الكبيرة ذات الزجاج الملون، بكل لوحات اليسوع، العذراء، والروح المقدسة المنتشرة في كل مكان، بالأشجار الطويلة التي كانت فروعها تمتد أعلی من المنزل، بعضها يتسلق النوافذ والحجار.

إبن القمر.  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن