كالأعمى مضيتُ هائم الفكر قدماً ، دون إدراكٍ لأي شيءٍ حولي ..
شريط الحلم المسجل في ذكرياتي مستمرٌ بالتكرار أمامي ، و تساؤلاتٌ تكبلت على فكري لتغشيه في حفر الحيرة الملتوية ..
خطواتي الباردة كالثلج استمرت بقرع الارض منتظمة ، حتى اذا صرت في الشارع سائرة توقفت ..تلك العيون مجدداً نحوي متجهة ، و تلك العين التي لا تكل مني باتت قريبة ، لكن تعددها غريب !!
عندها أبصرتهم يحدقون بي أجمعين ، من النوافذ على الابواب و حتى من في السيارة ، ما خطب هؤلاء ؟!
القشعريرة تغرز ابرها في انحاء جسدي لأنتفض مرتعشة من الرعب ..أخفضت رأسي أرضاً ، و شددت الحقيبة قبضاً ، رفعت ساقي لأمضي فأنزلها صوتٌ خشن :
ميسون !! ..
" لم ابدأ يومي بعد ، ماذا يريد مني ؟؟ " اخذتني التساؤلات دون ان تعيدني ..
بقبضته شد ذراعي إليه : سمعت افواهاً تقول بأنكي تتحدثين الى لا احد ..
" و ما بالك تثير الجلبة هنا على افواهٍ تستنكرها ؟؟ " مضغت لفظها بين أسناني ..
تقدمني قائلاً : أنا سأخذكي الى المدرسة اليوم ، هيا بنا ..
فعل خيراً بإنهاءه هذا اللقاء هكذا ..أنا لا اطمئن له ، لا اطمئن لمازنٍ ابداً ، لكن الامان الذي اسرني قربه جعلني اسير راضية اذ أن تلك العين ابتعدت و اختفت تدريجياً حيث لا افقه و لا اعلم ..
تركني امام تلك البوابة حيث تتحشد جموع الطالبات المقبلة للدراسة ، لأدخل مطأطأة الرأس أهيم بفكري بين ظلمات ذاك الممر ..
كنت اسمع صداه على مدى حلمين ، فأين رحل في الثالث ؟؟
ما هذا البرود داخلي ؟! ما هذا السكون الذي يقتحم ما تبقى مني ؟! لم اعد ادرك الكثير ..كان صياحهن يكسر جدران ذاك الصف المشؤوم ، لكن بمجرد دخولي عم الهدوء ، لا تمتمات !! لا همسات !! كأنهن متن بلا أنفاسٍ ايضاً ..
لن اكذب فقد شعرت بالإختلاف و دون ان ابدي بالاً تابعت قرع الارض بحذائي الى المقعد ، فجلست و اعينهن تداهمني مراقبة.، و انزلت حقيبتي و ابصارهن لا تزاح و لا تزيغ ..
و ما ان ادرت بؤبؤتي الى تلك النافذة حتى رأيت الظلمة تحل و خيل صوته لي يناديني :
افتحي الباب انا صديقك !! افتحي الباب .. ميسون انا صديقك ..و عندما احتقنت الانفاس في البلعوم تذكرت بريقه بين اصابعي ، فخللتها مستشعرةً وجوده و نعم شعرت به !! فالتفت اليها لأراها خاليةً من الزينة ..
ولم اكن لاعيد عيني الى النافذة الا لسماعي لذاك الطرق و الصدى : تعالي الي ..فمن بين وترات ذاك الصدى المنحب همست : ميس ؟؟ ..
كأنما ايقظتني من سباتٍ أليم عندما اخذت يدي بين كفيها و دموع الندم شقت طريقها لتداعب بشرتي :
ميس انا اسفة ، صدقيني كنت امزح معك يومها ارجوكي سامحيني ، ارجوكي يا ميس ..
جاثيةً على ركبتيها ناحبة بأسى يكبل زفرات انفاسها المتقهقرة ، بإختصار نادمة ..فامسكت بيديها المتعرقتين : لا بأس عليك ، عندما افتح الصندوق سأجد الخاتم ..
لا ادري بماذا تفوهت تواً و لم ادرك حيث انني كنت احرك شفاهي و ظناً بأني انطق ب :
كل الامور انتهت حيث حصلت ، سامحتك ..تسمرت بتلك العينين المغمرتين دمعاً : لم افهم !! ..
ادليت لها بإبتسامة الرضى راجيةً ان تتركني هنا ، و هذا ما حصل ؛ فقد لملمت اطرافها و الى مقعدها استكنت ..و ما إن ابتعدت حتى شعرت به جالساً قربي ، لمَ يتملكني الشعور بأنه ذاته من ضربني ؟؟ ..
فأخفضت رأسي ارجف رعباً منه قاضمةً شفتي التي دمت من شدة القضم ..
اخاف ان استعد للركض فيوقعني و اخاف ان احاول الابتعاد فيضربني ، فلم اهتز ساكنة منتظرةً الفرج القريب ..حاولن جاهداتٍ الاحتكاك بي لكني صرت اقذف بين عالمين ، العين و القلب بين جدران الممر الموحش ، و السمع و الشفاه و الحواس تساير من يحاكيني و يبتعد ، حقاً بدأت لا ادرك الكثير ..
زحزت ابوابها العملاقة معلنةً الحرية لمن اسرت ، و تهافت المحررون على بعضهم كفج الحجيج عند النفر ، كان جسدي يُلقى على ظهر هذه و يصطدم بكتف تلك ، حتى هو بدأت افقد السيطرة عليه ..
تلك العينين كانت اقرب و اقرب من كل مرةٍ سابقة ، ذاك الخوف كان اشد و اشد مع كل قربى تتخذه هذه النظرات ..
فبدأت اناطح الحشود ازحزحهم بكل ما اوتيت من قوة ، اردتها ان تبتعد عني فحسب ، اتوسل اليك يا هذا يكفى ..فوقفن قربي : ميسون نحن حقاً لا نريد ايذاءك و لكن من ذاك الرجل ؟؟
رفعت عيني فرأيت الضوء في نهاية الممر : انه ليس موجود ، لقد اختفى ؟؟
تبادلن نظرات الشك و الريبة و بنبراتٍ متزعزعة سألن : ميسون هل تواعدين احداً ؟؟
ما خطبهن يسألن اسألةً كهذه : انه مظلم و اريد ان ارتاح ..
فاخذت زيزفون بذراعي معناقةً لها : ميسون هل اذاك ذاك الرجل؟ اخبرينا عن اسمه و عنوانه و سوف ننتقم لك منه..
اجبت بغصة : حين افتحه سأجد الخاتم ..الا تدركون بأني فقدت عقلي !!
حين رأين العجب فيني تركنني و سط ذاك التجمع الشديد ، كنت اختنق ، اردت المسير الى حيث اطيق ، فسرت خطوتين ..لكن جسدي رغم تحركه للامام كان يتقهقر ، عجباً !!
ادرت رأسي فأبصرت تلك اليد التي تحاول جري ، ما كان مني غير ان اصيح بذعر ٍ :
ابتعد عني .. اتركني ، النجدة !! النجدة ..كأن صراخي كان لمن حولي صافرة انذارٍ للحرب ، تنافروا دون انجاد او انقاذٍ ، كنت اصيح بجنون ظننته سيجرني الى عالمه السفلي ، شعرت بأن السماء قد ضاقت بي بأراضيها ، صحت و صحت و هدأ روعي زجره :
ميسون !! انا ادهم يا غبية ، يكفي !! اقول يكفي توقفي !!
" ادهم ؟؟ " اصابني خمولٌ شديد عندما ادركته ، فأي راحةٍ هي تلك التي قد سكنتني ..و بعد ان اخملني التعب رددت عليه : ادهم ؟؟ ماذا تفعل هنا ؟؟
- قال مازن بأنك تواعدين احداً ، لم يرد بك الخير فاستعجلت اليك ، هيا قبل ان تحدث الجلبة هنا ..
شدني و الى السيارة اخذني ..و بعد ان ركن السيارة عند باب بيتنا ادركت شيئاً مما قيل لي منهن ..
اتحدثن عن رجل ؟! لكن ما شأني انا به ؟!رأيكم؟؟