حدود و قيود

2.6K 243 67
                                    

استشعرت كلماتها اثناء تلحينها ، كأنما أُرسلت لي لاجيد التعبير عما فيني ، فكنت اقصد الجن حين اقول :
HEY, HEY, HEY..
و اجيب عن " كيف حالك ؟؟ " بمقدمتها ..

و اسكت سلم موسيقاي ولوج فراس الي و تربعه قرب رأسي : ماذا تفعلين عزيزتي ؟؟
رفعت رأسي ناظرةً اليه : احاول النوم ..
فمسح جبهتي و قبلها لي ثم قال : سأذهب بعد دقائق فهل تأمرينني بأي شي ؟؟
- ستعود غداً ؟؟
- اجل ، علي ان اكون قريباً منك ..
- الى المصح صح ؟؟
ممسكاً بيدي : استطعت اقناعه بعدم التفكير بسلبية ، سوف آخذك غداً و نتجول و نستمتع ايضاً ، الن تستحمي و تغيري ملابسك ؟؟
- حسنا ..
و اخذ يداعب خصل شعري المفترشة على الارض ، و بعد ان انتهى تلملم من عندي و رحل مغلقاً الباب خلفه ..

لا ادري لمٓ تركت عيني معلقةً على شريط النور الهارب من الخارج الي في شق الباب !! لعلها ذكرى نحيبه هي التي فعلت و لعل شوقي اليه هو ما اجلسني ، اريد من تلك الايام ان تعود بلا مضاعفاتها ، اشتاق للتبختر امامه و انا اسخر من سمر و اريج ، اشتاق لسؤاله عما يجب اكله اثناء الرجيم ، لا اريد اقراطاً و لا ذهب ، اريده هو فحسب ..
اريده ..
اريد التمثال القبيح ..
اريد صديقي ..

فعاكست قوة الارض بارتفاعي ، و الى حيث اردت مشيت ، بين ممرات البيت التي البسها الليل الهدوء و اظلم زواياها الخلود للنوم ، مررت قرب المكان الذي كان به لقاؤنا الاول ، و توقفت امام بيته الجديد ..
ارسلت راحت يدي متلمسةً خشونة الباب و من ثم انزلتها الى الحديدة الملونة ، و قبل ان انزل كتلتي عليها سمعت انفاسه المجهدة كأنما كان في سباق عدوٍ عظيم ، ارجفني ذلك قليلاً ..  آأكذب ؟؟ بل كثيراً و تشنجت مع زفراته حركتي ..

بهمسه المجهد قال : ميس ؟؟ ميس ؟؟
لم اجب ، سكنت فحسب ..
فعبث بالمقبض ثم سحب الباب اليه قليلاً دون فتحه ، و من تلك الفتحة الضيقة دفع بالحلقة الذهبية الى لتستلقي بين قدمي العاريتين ..
ترأرأت صورتها دون انحناءٍ لها ، و عندها اختفى !!

" اريدك " همست بها له ، لكنه ليس موجوداً ليسمعني ..
فدفعت الباب بأناملي مراقبةً ما وراءه اثناء تزحزحه ..
الظلمة ، السكون ، هذا ما يسكن قعره ..
بخطا غير متوازنة مضيت ، و صرير ارضيته يحاكي خطواتي ، تمسكت بالحائط جيداً و قد غاب عن ذاكرتي محبس الانارة !! ، و نزلت الى حيث هو ، عبر تلك السلالم المهترئة و بين تلك الخردوات و الاثاث القديم ، و كاد جهلي ان يضيعني فأنا لا اعرف في اي صندوقٍ هو لولا صوته المنادي " تعالي .. " ..

لبيت نداءه بالاقتراب رغم العثرات امامي ، اضطررت لاعتلاء بعض الارائك و ازاحة البعض الاخر ، احتجت الى دفع بعض الصناديق و البعض لم يتحرك من وزنه الثقيل ، و بالرغم من المسافة الفاصلة بيننا الا ان عيني استطاعت بلوغ سطحه  ، فهممت اليه و اخذت احاول فتحه و لكن لم استطع ، لم يكن شريط لاصق عادي ..
احتجت لشيء ما ..
اداة ما ..
حادة ..
" سكين ؟؟!! " بحماس شديد صدرت مني ..

و حين استدرت اضاءت المصابيح و سأل السائل : من هنا ؟؟
عاجلت بالسير الى السلالم : انا هنا ..
بريبٍ سألت : واا .. و ماذا تفعلين هنا ؟؟ و في هذه الساعة ؟؟
بحماس اجبتها : تذكرت امراً و اردت استعادته ..
بلحنٍ اختلط فيه قرع خطاها البطيء السلالم بصرير الخشب : وما هو ؟؟
- انه شيءٌ يعني ليس مهم - و حاولت الخروج ..
فشدت ذراعي اليها : ماهو ؟؟؟
- ا ..  امي انه ههههه ، شيءٌ ..  ااممم شيءٌ فحسب ، علي الذهاب ..
وهربت متجاهلةً نداءاتها لي الى غرفتي ، و على نفسي اوصدت الباب و ارتميت تحت الغطاء ..
شعورٌ ما يظن بأنها ستخبر ابي بما حصل ..
احقاً صار علي اخفاء تحركاتي عن اعينهم ؟؟ بدأت الحرية تقيد بأعينهم ، و الان ماذا سأفعل ؟؟ يظنون اني مجنونة لابد ان اخذ هذا بعين الاعتبار ..

انتظرت دقائق معدودة و حمداً لله لم يأتي احد ، فنزلت الى الارض و كتبت على الاوراق المتناثرة ( مقبرة الحرية بدأت تحفر ، و جنازة عظيمة تستعد في الخفاء ) ..
ثم رفعت بصري سائلةً الرسالة : هل يجب علي النشيد اثناء الدفن ؟؟

في البداية تحدثت لتمثال و ها هو حالي و الان اتحدث الى الرسالة ؟؟!! الى ماذا اطمح بافعالي ؟؟

فجمعت الاوراق من فزع و دفعتها تحت السرير لابعدها عن ناظري كذلك الرسالة ، هي الاخرى داخل الدرج اغلقت عليها ..
لم اعد اعرف ما يجب علي فعله او قوله ، انه صديقي و لربما حين اطلب منه ان يوقف كل هذا سيوقفه ، ماذا لو يريد الانتقام مني على هجره ؟؟ علي ان اخرجه ..

مضيت الى الباب و عند فتحه رأيت ابي يقف امامه !! لم اسر بتلك الملامح ..
- ابي ؟!
فدخل بصمت و تبعته امي و سحبت الباب من يدي ثم اغلقته ..
تعجبت حقاً منهما ، لماذا العجب كيف نسيت ما حصل في القبو ؟؟
جالساً على سريري قال : لمَ لا تجلسين لنتحدث قليلاً ؟؟
اجبت : انا لا اريد الكلام ..
هل تهربي من محادثاتهم سينجيني ؟؟

امي : قال اجلسي !!
اجبتها : و انا قلت لا ..
تبادلا نظرات التعجب فيما بينهما ثم شد من نبرته : ميسون !! الم تسمعي ما قلت ؟؟
" و كأنه يسمع صوتي اذا تكلمت " تلجلجت داخلي ..
فأجبت : اجل سمعت و قلت لا يعني لا ..
ثم بسرعةٍ خرجت اردت الابتعاد فحسب ، سيضربني حتماً ان تأخرت ثانية هناك ، و بينما انا اعاجل الخطا كان يتبعني بصراخه : اتتمردين علي ؟؟؟ عودي الى هنا ..

دائماً يلتفتون لاخطائي و لا يبصرون خاصتهم ، كم احزنني ذلك ..
و انجدني زي المدرسة الذي كنت لا ازال به ، فبسرعةٍ ولجت الى غرفة البنات ، و اخذت اقرب شيء مرت عليه يدي و مباشرة الى الحمام حيث لن يجرؤ على الدخول ..

اشك بهذا ..

من صقيع الخوف تُروى حكايةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن