ثبـور

الفصل الخامس عشر : شظايا نيران .

ضرب الليل عباءته في الأرجاء وبقيت أنوار المدينه الخافته تبثّ ماتبقى من نورها، صرير حشرات الليل تُسمع من كل جانب، أبواب ومنافذ منازلها المغلقه التي يملئ جوفها سكانها النائمون بعد عمل مرهق وشاق صحبهم طيله اليوم .

بعيداً عن المدينه .. في إحدى القرى التابعه لها ..

غربان سوداء تُحلق في غرب سماؤها وشرقها ..

قريه إشتهرت بكثره السحره والدجالين بها ..

طردو ونُبذو من سكان المدن الاخرى وإتخذو من عده أكواخاً شعبيه تلاصق بعضها البعض مأوى لهم ولممارسه ما إشتهروا به ..

استندت عصاتها على ارضاً قاحلة وعيناها رسخت على منزل شعبي مهمل الحمايه تكونت اعداد من أعواد القش تهب له سقف علوي يغطيه .

سراجاً بقيَ إشعاعه يُنير بالخارج ..

أبتر تأملها صوتها المنخفض : أهو ذاك المنزل ؟

اطرقت "جليله" رأسها إيجاب .

حررت أنفاسها من بين شفتيها ومشت "ثبور" تحذو بحذر خلفها، انفرت حواسّها سريعاً فور إقترابها رائحه مؤذيه تكاد تشلّ أنفها وأصوات ضحكات وأهازيج غير مفهومة .

لم تتعنى بطرق الباب بل كان مفتوحاً ومهملاً، تطلعّت بين زوايا المنزل لترى رؤوس الأغنام مُعلقه على جدرانه والبعض من قطع فروها، تمركزت مدفئه تتوسطها حبّات قليله من الاخشاب المحترقه ويُكمله اثاث رديئ الصنعه .

لم تطأ ساقيها عتبه المنزل، هبطت بغشائها على كتفيها لتُبين تجاعيد وجهها وشحوب بشرتها والوسم ذو النقوش القديمه الذي تشكل أسفل ثغرها .

أقران هؤلاء السحرة الثلاث ليسو بالشيء السهل ومحاولة خوض معركة معهم على الفور ستكون خاسرة بكل تأكيد .

جليلة بصوتٍ ظاهر : طكاليل .

إستدارو لرؤية من ينادي وفور ما إن رأو ثيابها السوداء وجسمها المتكهل, بدأت ضحكاتهم تتعالى وإلقاء كلمات النكات والسخرية .

"طكاليل" الذي شرب اخر الجرعات المتبقية في قاع كأسه مُميل الرأس جانباً : مرحباً بقاتلة "عُفريدان" مرحباً بساحرة العرب الشمطاء .

إنطلقت الضحكات وعادت حروف السُخريه مجدداً على أفواههم .

ثبور عوقدت مقدمتا حاجبيها خطأت إلى امامهم وأردفت بصوت غاضب : هي ليست قاتله بل فعلت ما يجب عليها فعله و"عفريدان" تستحق ذلك .

أجاب رجلاً اخر ذو جسداً سمين يملؤه الترهلات الدهنية يمسح ما تبقى من دموعه العالقه بين أهداب عينيه : أخبريني إذا أتنوين بقدومك الأخرق هذا إلى قتل احداً منا ؟

جليله صمت لثوانٍ ومن ثم تحدثت بهدوء : جيد أن عقلك مازال يعمل بشكل صحيح .

طكاليل إستقام بخشية منها : مالذي تنوين فعله ؟