Part 6

3.2K 152 20
                                    


-صوت صرير الباب-
أطلت من خلف باب ذو لونٍ قشِيّ.
نادت بصوتها الرقيق الهادئ:
- أليكس
جالت عيناها الزرقاوتان الصافية كالزجاج، باحثةً عن ابنها الذي كان مستلقياً على سريره... كان نائماً، ولم يستبدل ملابسه التي كانت بلون البنفسج القاني، شعره الذهبي مبعثر وبعض خصل غرته حجبت الشمس عن عينيه بانسدالها عليها، وجنتيه محمرّتين وطرف أنفه كذلك، وكأنه كان يبكي!
تساءلت والدته في خُلدها إن كان قد بكيَّ فعلاً!، حتى لمحت لمعان دموعٍ جافة مرّت على وجنتيه!، ولعلّها مرّت مراراً في تلكَ الليلة، كان قد بكيَّ حقاً، جلست بجانبه وأخذت تمسّد خصلات شعره الذهبيّة.
نادت بصوتٍ رقيقٍ حاني:
- إليكس بنيّ
فتح عينيه ببطء، ثوانٍ حتى ميّز صوتاً صاحبه ينظر إليه بعينين حانيتين، جلس وهو يبعثر شعره، تحدث بعد أن وقف ينظر إلى والدته:
- انتهت فترة العقاب؟
تبسمت ديانا ثم وقفت وهي تُرجع خصل شعرها الذهبي خلف أذنها اليسرى:
-الإفطار ينتظرك يا عزيزي
أومأ برأسه، ثم قال بعد أن استدار وبدأ بفتح أزرار قميصه:
- سآتي بعد أن أستحم.
خرجت وأغلقت الباب خلفها، أخذت تسير في الممرات الشاسعة المكسوة بسجادٍ بيجيّ اللون، شاردةَ الذهن، تُفكر في ابنها والدموع الجافة على خديّه:
- آآآه –اصطدمت بجسد شخصٍ ما لتتراجع إلى الوراء رافعةً رأسها لترى زوجها الحاكم "كارل" ونظرات التساؤل قد بدت في تفاصيل وجهه الذي بدأ الزمان مسيرته في الطغيان عليه-:
- ماذا بك؟ تجرين شاردة الذهن؟!
- أليكس...
مازالت علامات التساؤل باديةً عليه، قال:
- ماذا به؟!
لم يلبث إلا ثوانٍ بعد نطقه تلكَ الجملة، حتى تبدلت ملامح التساؤل إلى الغضب أردف وفي بريق عينيه الزرقاوتين توّعدٌ:
- هرب!!، سـ..
- لا كان يبكي!
تحدثت مباشرةً مقاطعةً لحديثه، قبل أن يفسر الأمر بالشكل المعاكس، ويتوقع ألفَ مصيبةٍ وأخرى!
تنحنح ثم أدار جسده قائلاً:
- سنخبره بالموضوع الذي تحدثنا عنه بالأمس، كوني على استعداد لذلك!
- أوه!، أجل
_________

- بدوتِ لطيفة جداً عندما شرعتِ بالغناء أمس
نطق بها مبتسماً بينما كان إخوته يؤيدون كلامه، تحدث آخر كان جالساً بجانبه، مسنداً ظهره على جذع شجرةٍ متين:
- عدا ذلك فلم تكوني لطيفةً مع أحدٍ آخر، أو تتحدثين إلى أيّ شخصٍ سواء كان طفلاً أو مزارعاً، أو حتى تاجراً!، حتى النساء والفتيات لم تتحدثِ معهن.
أردفَ آخر ذو شعرٍ كستنائي وعينان بلون البندق:
- يجب أن نأخذها معنا في رحلاتنا ونجعلها تختلط بالعامة، ما رأيك جورج؟
أبعد المعني كتاباً ذو غلافٍ بنيّ عن وجهه ثم جلسَ حيث كان مستلقياً قال بنبرةٍ جديّة:
- أجل .. يجب أن تختلط بالمجتمعات الأخرى.
زمّت شفتيها بضيق، دون أن تنطق، كانت هذه أكثر الحوارات كُرهاً بالنسبة لها، داعب زاكس ذو الشعر الأسود شعر أخته الفاحم والذي كان يجلس يمينه، قال بنبرة لطيفة:
- سيكون الأمر ممتعاً صدقيني!
أومأت برأسها دون أن تنطق ببنت شفّه، ليزفر جون متضايقاً وقد أبعد ناظريه، كان الجو موتراً بالنسبة لكيت التي اختفت ابتسامتها ولم تتحدث مطلقاً، قال مايك وهو يداعب شعره الأسود وقد تقدم وجلس أمام كيت من بعد أن كان مسنداً ظهره على جذع الشجرة:
- لن ننتظر موافقتك، سنصحبكِ معنا، وإن لم يعجبكِ الأمر، فلن نأخذكِ مرةً أخرى.
قال جورج مؤيداً، وقد جمع شعره البنيّ الذي يصل إلى تحت كتفه بقليل، بشريطٍ أسود:
- في كل الأحوال الأمر راجعٌ لكِ –نظر بعينيه العسليتان نحو السماء وأردف، وشبح ابتسامة رُسم على وجهه- :
- ستستمتعين بالتأكيد!
نطقت أخيراً بعد صمت:
- آه، حسناً
وقف زاكس وابتسامة لطيفة اعتلت وجهه:
- لنذهب إلى شجر التوت!، مرّت فترة منذ أن تذوقنا توتَ حديقتنا.
وقف جون وقد أمسك بيد كيت يحثها على النهوض، سارَ الثلاثة مبتعدين نحو الجهة الغربية من حديقة القصر بينما مكثَ مايك وجورج متقابلين، قال مايك بشيءٍ من الجدية:
-لم تساهم في الحديث كثيراً اليوم!، هل هناك أمرٌ ما؟
تنهد جورج واستلقى بجانب مايك، ليستلقي مايك كذلك، نظرا إلى السماء الزرقاء والصمت مالئٌ الفارغ حولهما، حتى نطق جورج مبدداً لفراغ الصمت:
- تكمن مشكلةٌ كبيرة، بيننا وبين مملكة سيلينيا
أدار مايك وجهه بسرعه نحو جورج والصدمة تعلو تقاسيمه:
- متى حدثَ ذلك؟!!
أغمض جورج عينيه، ثم قال متجاهلاً أسئلة مايك:
- وإن أردنا أن نحل المشكلة، يجب أن ندع كيت تتزوج من ولي العهد إدوارد
- مسـتـحـيل!!
نطق بها صارخاً بعد أن نهض، امتزجت مشاعره بين الصدمة والخوف والغضب، شعر بالاضطراب لن يقود مصر أخته إلى الهلاك، قال وقد عاد ليستلقي مرةً أخرى بجانب جورج:
- إذا لم نوافق على زواج كيت، ... ماذا سيحدث؟
أغمض جورج عينيه، تنفس بعمق ليطلق جملةً وقعت كصاعقةٍ على قلب مايك الذي ارتعد بمجرد سماعها:
- ستنفى هذه المملكة...
_________
-مبارك سيدي لترقيتك إلى رتبة قائد.
أدار المعني جسده لمصدر الصوت، حيث كان رجلاً ذو شعرٍ أشعث قصير القامة يبتسم، أجاب المقصود بالتهنئة والذي كان له شعرٌ ساحرٌ فاحم السواد، وعينان كالزجاج في صفائها، بعد أن صافح الرجل المبارك له:
- شكراً لك أيها الجند بين.
سأل بين ذو الشعر البني الأشعث والعينين داكنتين السواد:
- إذاً بعد ترقيتك لن تكون خادماً لجلالته ريتشارد؟
- سأكون قائداً وحارساً شخصياً لسموه في الوقت ذاته
أبعد عينيه بلون السماء الصافية عن بين، ليلقى مباركاتٍ أُخرى من جنودٍ وحرس وخدم، مستمراً بمصافحتهم وشكرهم على تهانيهم له.
حتى استقل بنفسه أخيراً، في الغابة تحت شجرةٍ أمام منحدرٍ يؤدي إلى وادي، وادٍ ضيقٍ جداً، أخذ يتأمل الجهة المقابلة له، حيثُ كان جبلٌ مليءٌ بالصخور الزلقة.
حدّث نفسه:
- "أخيراً وصلت لمرتبةٍ عالية، انتظرني يا ريتشارد، سأحقق مبتغاي في تدميرك!"
وقف بعد أن ألقى نظرةً أخيرة حوله، ثم استدار عائداً إلى مملكته، مملكة "سيلينيا"، لولا جنديٌ من الحرس الملكي ظهرَ فجأة، تحدث ذلك الجندي مخفضاً رأسه:
- أعتذر على مفاجأتكَ أيها القائد سام، هل يمكنني محادثتك قليلاً؟
أومأ المعني رأسه، ثم قال بعد أن عاد مرةً أخرى إلى مكانه السابق، حيث يستند على جذع شجرة أمام منحدر:
- لنجلس إذاً
جلس القائد سام، وجلس بجانبه ذلك الجندي أصلع الرأس:
- سيدي، هل لي أن أتحدث لك عن أمرٍ أبقيته بجعبتي مدّة طويلة، كافية لجعلي أنفجر!، لا أريد أن أفصح عنه لأيٍ كان، فكما اعتدت في السابق كنتَ من أتحدث معه!
ضحك سام وقد أدار رأسه نحو الجندي:
- الآن نحن وحدنا، لسنا بالقصر يا ليون، لذا يمكنك أن تتحدث كما تشاء، وأبعد تلكَ الرسمية
ابتسم ليون بارتياح قائلاً:
- عندما توجهت لأسلم دعوة "عقد التحالف" لمملكة أورتيرا رأيت حصانً أبيضًا فوقه عباءة رُسم علها الشعار الملكي لمملكة كاميليا، إنني متأكد تماماً بأنها العباءة الحاكمة، وأن صاحبها بالتأكيد سيكون أحد العائلة الحاكمة لمملكة كاميليا!
صُدم سام تماماً عندما وقعَ على مسامعه ذلك الخبر الصاعق، قال بشيءٍ من الارتياب:
- أمتأكدٌ أنت أنها العباءة الحاكمة؟
هز ليون رأسه بالإيجاب قائلاً:
- أقسم بأنها العباءة الحاكمة، تفحصتها كانت من الحرير، ... وأيضاً –صمتَ-
سأل سام الذي أصبح متوتراً:
- وأيضاً ماذا؟
أردف ليون وقد تنفس الصعداء:
- أعتقد بأنه دخل لمملكة سيلينيا!
- أمجنونٌ أنت؟، ذلك مستحيل!
أدار ليون رأسه لينظر إلى سام بعينيه السوداوتان ثم قال:
- كان الحصان مقيداً في شجرة أمام منحدرٍ يؤدي إلى مملكة سيلينيا مباشرةً!
تحدث سام مباشرة وقد انفعل جرّاء ما سمع! كيف لعدوٍ أن يأتي لمملكة أعدائه؟!:
- هل تعتقد أنهم بتلك الحماقة؟!، ماذا يريد شخصٌ من العائلة الحاكمة لمملكة كاميليا؟، هل يريد ان يموت؟، ليأتي لمملكة أعدائه؟
صرخ ليون بانفعال هو الآخر
- لا أعلم السبب أيضاً!، وهذا ما قادني إليك
- ذلك يخالف عقد التحالف تماماً، لم تقل شيئاً للحاكم ريتشارد؟
هزّ ليون رأسه، نافياً:
- لا لم أخبره، أنت أول من أفصح له عن هذا
تنهد سام بارتياح:
- ذلك جيد، أنت تعلم ماذا يترتب على ذلك؟
هز ليون رأسه قائلاً:
- بندٌ من بنود عقد التحالف "المملكة التي لم تجدد التعاقد مع المملكة، الأخرى لا تستورد منها ولا تصّدر إليها، ومحرّمٌ على كافة شعوب المملكتين التواصل والزيارة أو الأخذ والعطاء، والزواج، ومن يفعل أيٍ مما سبق يحق لحاكم المملكة قتله!
سكت ليون قليلاً ثم أردف وقد نظر إلى سام:
- ماذاً سنفعل إذاً؟
نظر سام إلى الجبل الشهيق أمامه ثم قال:
- سوف نصمت وكأننا لم نرى شيئاً، وسيمر الأمر بسلام، ولكن إن تكرر سوف أرى ماذا أفعل.
ابتسم ليون بارتياح قائلاً:
- أنا سعيدٌ لأنني أخبرتك بذلك، أعلم تماماً أنني لو أخبرت الحاكم سينفذ أمر الإعدام فوراً، وستندلع حربٌ طاحنة، ويسقط عقد التحالف!
تنهد سام ثم وقف وقد تمتم ببعض كلماتٍ لم يستطع ليون سماعها:
- لن يستمر طويلاً...
___________

[أرجوكِ تزوجيني] - اكتملت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن