Chapter 7-1

43 6 0
                                    

"أتدري؟! عقلك كما جسمك, يحتاج الراحة, أمضِ عشر دقائق بدون تفكير, إجعلها تمر وأنت مستلقٍ مُغمضٌ عينيك.. لا تسمح لأي فكرة ولو عابرة أن تمر, تخيّل أنك في أُفقٍ رحب ليس فيه أي شئ, ولا أي شئ.. بعد العشر دقائق الخالية من التفكير ستشعر بأنك نِمتَ سِنين عديدة, سيتجدد عقلك بعد جرعة دواءٍ سريعة. أرِح عقلك, فـحتى الأحلام تحتاج أن يُفكَّر بها. "
*
في اليوم التالي جاء ياسر وأريج, اعتنى بي ياسر كثيراً, لدرجة أنني لم أُميِّز إن كان ذلك شفقةً أم الرغبة في مساعدتي أو شئ ما غير ذلك!!
يكثر المشفقون هذه الايام, عمر وياسر!
غرباء مهما حاولوا الاقتراب!! لا جدوى من شفقتهم على ما أرى..
كان عمر هو من أحضرني للمشفى, لكن ياسر أتمَّ باقي إجراءاتي, يحضر مع أريج وينصرف معها, لعلَّه يحاول تعويضي!
وقفت عائلتي معي بقوة, وأقصد بعائلتي زُوَّرايَ اليوميون!
ما المفترض بي أن أشعر! زياراتهم الكثيرة لن تُنسيني أنهم وقفوا حجر عثرة أمام لحاقي بوالداي!! هل أكتم غضبي الشديد نحوهم؟
لو لم أعجز عن الحراك أو النهوض من السرير لقتلت نفسي رغماً عن أنوفهم!!
أما قاسم, فإنه جاءني مرتين, مرةً بمفرده والاخرى معه مخطوبته *بشرى* ,بشرى صديقتي, أو كانت صديقتي, تتكلم معي عندما لا تعرف كيف تصل في قاسم, لكنها بأي حال لطيفة, وهي في النهاية اختياره وأمي..
يتجنب قاسم زيارتي دوماً, لأنني أستفزه بعدم ردي عليه.. لكني أعلم أنه يبكي, يبكي لان عائلته انتهت, يبكي لانكسار ظهره, وضياع حضنه الدافئ, وغرق الامل في هذه الحياة!
يكره البقاء في البيت, لكني أرى أن بشرى تستطيع تغييره للأفضل, وهو الآن يتشبّثُ بها أكثر من أي وقتٍ مضى, أعتقد هذا جداً!
*
اشتقت للحركة, اشتقت لضمّ قدميّ عندما أبكي, واشتقت لوقوفي عليهما عندما أقاوم رغبتي في البكاء واشتقت لامي ولابي ولعائلتي.. اشتقت لتفاصيلنا, اشتقت لكل شئ, حتى الثغرات المملة أشتاق لها!! ملامح والداي تكاد تمحى من رأسي!! لا أستطيع تذكر وجهيهما!
لا أقوى على التحمل!! لم يجب أن أبكي الان؟؟ الوقت غير مناسب مطلقاً, كان هذا وقت زيارة عمر لي, إنه يتحدث معي, لم أفهم ماذا يقول.. لا أعرف, ربما شئ من: *أنتِ بخير, إهدئي, طبيب؟؟ *
كنت أهز رأسي فقط! أريده أن يتركني وشأني لكنه لم يفعل!!
أخذ كرسياً وجلس يراقبني, لم أستطع رؤية وجهه لأعرف إن كان شفقةً أم لا, كان كل ما أراه صورة مموجةً لكل ما حولي!!
دخلت أريج عندما سمعت صوت بكائي يعلو, لكنها خرجت بعد حديثٍ سريع نوعاً ما دار بين ياسر وعمر, همهمت أريج بتلعثم أشياء لم أفهمها كذلك, لا بد أن عقلي توقف عن فعل شئ, إنه يعطي الأمر بالتذكر والبكاء!
كنت أبكي وأجهش بصوت عالٍ, تذكرت كل شئ سئ!
بكيت بشكل مرعب, أتت الممرضة لتعطيني إبرة مهدئة لكن عمر منعها!
*عمر* مجدداً! لماذا هو بالذات؟
كنت أبكي مع كل حرف أسمعه ومع كل نقاش!!
إزداد سمعي فجأة ولم يَخفى عليّ بكاء الغيوم وكلامهم خارج غرفتي:
*مسكينة, يا إلهي, أشفق عليها, تعتصر قلبي*
لا أريد شفقة لا أريد!!!
أسمعهم بوضوح وكأنني جالسة بقربهم, رغم صوت بكائي المتعالي إلا أني أسمعهم, يزداد صوتي في كل مرة أسمعهم فيها. لم أتوقف, ولم تتوقف دموعي!! كان هذا قمة انهياري بلا شك!!
بكيت لوقتٍ طويل! أظن أن هذه هي المرة الاولى التي لم يوقفني فيها أحد عن البكاء.. منع ياسر أي شخص من الدخول!
أتذكر وجهاً مشوشاً!! لم أستطع التركيز لكثرة شهقاتي.. ولم أرد أن أعرف, بل لم تراودني رغبة في التفكير..
لم أعد أتذكر لم نمت!! ربما فقدت الوعي, أو ربما شعرت بالتعب!.
*
في اليوم التالي, استيقظت وكانت عيناي منتفختان.. صرت أتذكر ما حصل, وعقلي توقف عن فعل شئ, مجدداً! لم أعلم ماذا يحصل لي.
كل ما أحس به عدم الاحساس بجسمي, وصداع حاد.. شئ أو شخص يخط بسكينة سطح قطعة من الحديد!! صوت مؤلم!
جاءت أريج وياسر و*كمال* خاطب أريج.
زاروني, أو بالأحرى زاروا جثتي الهامدة, سألوني عنها وطلبوا مني أن أعتني بصحتي!! لكن, لم يسألني أحد عن روحي!
كيف حالها؟ أتشعر بتحسن؟ اهتمي لها على الاقل! مقصرة في حق روحك!! توقفي عن العبث وفكري فيها جيداً!
لماذا تبقى حياتنا سلسلة من التناقضات مهما حاولنا حل الامور؟؟ أنا بأي حال لا أستمع كلامهم جيداً! لا أعرف بمَ يتفوَّهون!!
أشعر بين الفينة والاخرى بالرغبة في الصراخ وطردهم!!
لكني أتراجع وألزم مكاني!! أريد بعض الهدوء! لم لا يتركونني!!
لم لا أحد يفهم لم؟؟ هل نحن معقَّدون إلى هذا الحد؟ أعني لدرجة ألا يفهم الانسان مايشعر به الانسان الاخر!! الامر ليس بالمعقد!
أنا مريضة وأحتاج للهدوء, لا لثرثرتكم بقربي!!
إزداد صوت النخر على الحديد والطقطقة في رأسي!!
ياللغرابة, انتقلت لوصف نفسي بالمريضة!! لا يهم فهي الحقيقة في أنظارهم, مريضة لا غير, وأنا وحدي من يفهم أني متعبة وأحتاج للموت, أبديّ أو مؤقت! ليس بالفرق الكبير بينهما, كل ما أريده التوقف عن التفكير و رؤية الكوابيس! تعبتها!

انتبهت أن أريج خرجت ودخلت ثم قالت:
*لنتركها ترتاح الان, أظنها متعبة جداً!*
اقتربت مني وهمست, *سأعود بعد أيام, سأتركك وحدك فترة, ربما غيابي لن يشكل فرقاً, لكني أريد أن أعود وأجدك مشعّةً بالأمل! أثق بك أختي الصغيرة*
قبلتني قبلةً صغيرة على خدّيَ الأيمن كما تفعل أمي سابقاً, خرجت وخرج الجميع بعدها..
لا أتضايق لكوني وحيدة! لا, هذا يريحني بأي حال! لكني أكره التفكير في أنهم كانوا بقربي!
ربما فكرة أريج بإبتعادها عني صائبة! أحتاج لان أعتني بنفسي بمفردي! كما قال!.
ثمَّ؟ أظنني قد أقرأ كتاباً أجد فيه شيئاً ما أو ربما حلاً على الاقل..
اشتقت لاوراقي ودفاتري وأقلامي, اشتقت لشرفتي وهواءي..
شرفتي.. التي شهدت كل وقفاتي!
وقفة حزن وانهيار وضعف وعجز تارة, ووقفة فرح عابر تارة أخرى..
شرفتي.. التي راقبت كل نظراتي الآملة للنجوم!
نظرة التعاسة والحزن والرغبة في الافراج تارة, ونظرة صبر تارة أخرى..
شرفتي.. التي أصغت لكل هذياني!!
هذيان من الالم والخيبة والتعب تارة, وهذيان من الجنون تارة أخرى!
شرفتي.. التي تحملتني بكل ما أنا عليه!!
تحملتني وإن كنت أبدو كالخرقاء, وإن كنت أبدو كالغبية العاجزة!!
كانت تصغي وتستمع وترى, تفعل كل هذا!!
لم لا يستطيع الغيوم تحمل الغيوم؟؟ والصخور تفعل!
ألا يستطيعون أن يكونوا في رُقيِّ جماد؟

خريف | Autumnحيث تعيش القصص. اكتشف الآن