Chapter 9-1

33 6 3
                                    

"حُزيران, تموز وآب.. أشهر الحزن والتعاسة والآسى,  وُلدت في منتصف تموز لأمرّ ببعض تفاصيل الحزن والآسى ومن ثمّ أعيش التعاسة بكل تفاصيلها!"
*
رحلت أريج عني, رحلت من تبقّى فيها القليل من ريح أمي..
رحلت ورحيلها جعلني أفكّر, إذاً؟ أنا عبء عليهم, مجرّد حجر عثرة لا يستطيعون ضربه بطرف إصبع!! قرّرت أخيراً عدم البقاء هكذا, ليس لـشئ, إنما كلمات أريج جعلتني أشحذ أفكاري..
أخذت أماني مكان أريج وأمي على التوالي, بدأت بالتوغل لقلبي, من النافذة! وأخشى أن تكسرها بعد كل تلك الضغوط التي تعرضت لها! لقد أصبحت نافذتي هشة!!
كانت أماني صديقتي الجديدة, لطالما نصحتني بالخروج والتغيير من هذا النمط الكئيب.. أرادت مني أن أنفتح وأتعامل مع الغيوم! من جديد.. لقد كنت أستصعب الامر كما هي عادتي, كنت أبعتد أكثر فأكثر وكأني أستلذ عذاب الوحدة, كان علي أن أدرس وضعي بعقل الواقع لا بالعواطف الشائكة المبعثرة..
مرّت سنة أو أقل من سنة أضعت فيها دراستي, سأخبر أماني أنني أريد العودة للدراسة..
أجل, المحاماة تنتظرني, مهربي من كل تلك الاحزان!! كم سأبقى وأنا أدرس برأيكم؟؟ أربعُ سنوات؟؟ أربعة أعوامٍ ستمرّ وأنا أدرس, لأحقق حلمي بتحقيق حلم والدي..
عموماً, هم الان يتبادلون حقاً على الإعتناء بي..
صباحاً, تأتي أماني وتساعدني على دخول دورة المياه وتحضر الماء والدواء وما شابه, ثم ترتب قليلاً فوضى لا تستحق أن تُذكر على أنها فوضى!! فلا أحد في المنزل..
تبقى حتى تصنع الغذاء ثم تتناوله هي وأسرتها في منزلنا.. يأتي دور إسراء من هذه النقطة, تقوم بغسل الصحون وترتاح بقربي, ثم تُخرج دفاترها وتدرس..
أما عمر, لا أعلم عن روتينه الكثير, إلا أني عرفت أنه يكدُّ في عمله بجهد كبير.. ذكّرني بـقاسم عندما كان يريد الزواج بأسرع وقت, لا شكَّ أنه أحبَّ فتاة تدرس معه..
أما ياسر, فـكان يزورني فترة الغذاء ويعود محمَّلاً بأكياسِ إحتياجاتي ليلاً, وأقصد بإحتياجاتي دواءً أو كتباً وروايات..
كان يشتري رواياتٍ أستطيع إكمالها في شهر لكنني أُنهيها في أقل من أسبوع!! كنت أقرأ بنهمٍ ولا أزال!!
يبدو أن ياسر لم يستطع الشعور بـراحة الضمير بعد!! لا تزال مشاعر الشفقة والجَمِيل *الدَّيْن* تراودان عقله وقلبه معاً, كم أكره تفكير الغيوم حول إهتمامهم بالدّيْن أكثر حتى من القرابة, الصداقة أو غيرها!! هذا يجعلني أغضب بحق!
لست أدري لم حكمت على ياسر أنه مجرد مشفق لا أكثر!! شئ ما أشعر به يُنبِّئني أن هناك خطأً ما..
حسناً, لابُدَّ أن يأتي هذا اليوم سريعاً, لقد بدأ بطلي بالشعور بالملل!

مرّ أسبوع وأنا أرسم خطة دراسية محكمة, وأحاول تجميع كلماتي المشتتة, بدأت الحديث قليلاً مع أماني وإسراء, لكن شهيتي للطعام لا تزال ميتة!! أظنها قد لا تعود مجدداً!
أخبرت أماني بشأن الدراسة, فرحت ووافقت على الفور, ولكن كان عليها أن تسأل أريج ما حصل بشأن الاوراق وبقية الإجراءات, كانت أريج قد بدأت بهم مسبقاً ولكن حصل وتُوفَّت والدتي..
أرادت أماني إخبار أريج عن تحسُّنات وضعي, لكني رفضت..
فعلت أماني وأخذت الاوراق بعد نقاشٍ طويل..
*لم تريدينها؟؟* سألت أريج.
*نريد وليس أريد ياحبيبتي! عموماً نحن نحاول إخراجها من عزلتها المريرة.. ربما تفعل الدراسة شيئاً ما جيداً معها*
*لا بأس.. إذا إستطاعت الخروج من غرفتها ربما تستطيع الخروج من المنزل, لا يهم يا أماني.. إعتبريها أختك وافعلي ماترينه صواباً*
*يا إلهي أريج!!! بالطبع هي مثل إسراء, ما أريده الان هو مكان أوراقها*
*أوه, طبعاً..*
مع بداية السنة الجديدة, بدأت في جامعة القانون, قام عمر بإجراءاتي وإنزال موادي الدراسية, وخرجت أماني وإسراء واشترين لي ملابس لأذهب بها..
حقيقةً, كنت أرتدي العباءة وحجابي فحسب, لقد إعتدت عليها منذ زمن, لهذا خرجتُ مع الفتيات واشترينا عباءات هذه المرة!!
مرت أشهر وأموري مستتبة بروتين هادئ, إنشغلت بدراستي كلياً..
أستيقظ باكراً, أجهز ملابسي ودفاتري, أتناول فطوري الذي كان عبارةً عن كوب ماء وأقراص دواء, تأتي أماني تساعدني على الاستحمام وارتداء ملابسي! ثم يأخذني إما عمر وإما ياسر وإما عمي للكلية..
أحضر محاضراتي وأجلس في مكان هادئ بعيداً عن ضجّة الغيوم, تعرفت على صديقة شبيهة بي من جانب الافكار.. تقربت إليَّ بعض الفتيات شفقة, لكني لم أترك لهن فرصة. *حياة* هي المميزة منهن..
كان الاولاد والبنات ينظرون نحوي بتمعّن, نظرة أكرهها جداً!
ما العيب في كوني مُقعدة؟؟ لا أظن أن هذا ينقص مني شيئاً!
أتجاهل نظراتهم وأمنع نفسي بقوة من الصراخ في وجوههم, أنتظر في مكاني تحت شجرتي الظليلة, أكتب أشياء لا معنى لها!
أشياء تختلج في داخلي, تداعب حواسي, فتخرج كلمات غير مفهومة ومشاعر مبعثرة! ..
أبقى مدة لا بأس بها ثم يأتي عمر في كل مرة ليعود بي للمنزل.. أرتاح لمدة, وحينما تأتي إسراء ندرس سوية.. صحيح أنها في مجال الكيمياء بعيدة كل البعد عني!! لكني أحب سماعها وهي تدرس.. اعتدت على سماع صوتها المتململ مرة, والمتعب مرة, وصوتها تغني مرة أخرى.
كانت تصنع القهوة باستمرار, فأدمنت على رائحتها جداً!
بعد الدراسة أخلد للنوم وهكذا, بروتين دائم..
مرت سنة كاملة إلى الان, وشعوري بأني عبء يزداد يوماً بعد آخر..
إدخرت مبلغاً من المال! أحتاج لإجراء تلك العملية مهما تكن النتائج!!
أريد ولو لمرة ثقة أمي تلك! عندما تفعل شيئاً وهي مغمضة العينين, أحتاجها ولو لثوانٍ!.

خريف | Autumnحيث تعيش القصص. اكتشف الآن