********** انتهت فترة البقاء في المشفى تقريباً, تبقى القليل فحسب, وأثناءها لم أتركها وحدها ولن أفعل.
أما إذا اختارت أحداً آخر فلا بأس, على الأقل لن تعاني من جديد, ولا بأس إن عانيت وحدي..
كنت أدخل عليها فأجدها تحدّق في الفراغ غالباً, لم تعد حتى تلتفت يميناً أو يساراً, أتحدث معها قليلاً وأرتب لها أزهار الساكورا والجوري أو الاوركيد.. أتوقع أنها تحبها كما أفعل!! بعدها أغادر.
مرّت تلك الفترة سريعاً أليس كذلك أمل؟ حان وقت خروجك وقد أقامت العائلة حفلاً بمناسبة زواج أريج وكمال, قاسم وبشرى. وبمناسبة خروجك أيضاً حسب ما أرى!
في هذا اليوم, ركزت كثيراً على المجئ وعلى أن أكون بقربك..
كنا نحن أفراد العائلة نجلس سوياً في الصالة, مع جزء من أرباع الساعة السادسة مساءً. وجدّك جالس معنا أيضاً, تحدثنا لهنية ثم لاحظت أنك تغطين وجهك بيديك, أسرعت وحركت كرسيك للخارج, أردتك أن ترتاحي قليلاً, وأثناء عودتي صادفت أريج تسأل عنكِ.
*أين أخذت أمل؟* سألت باستفزاز! لا شك في أنها رأتني وأنا أقود كرسيكِ للخارج. أجبتها ببرود وهدوء *أمل متعبة وتحتاج استنشاق الهواء.*
هذا ماقلته فقط وبكل اختصار, ثم ذهبت وتركتها خلفي تفكر بشئٍ ما!.
اتجهت للخارج, كان قاسم ذاهباً لحفلٍ أقامه أصدقاؤه من أجله, ثم سيُحضر عروسه, فحدّثني قائلاً:
* أرجوك يابن العمّ, أحضر لي شيئاً أشربه. لقد جفّ حلقي!*
قلت ضاحكاً وساخراً في وقتٍ واحد:
*لم أركَ متوتراً منذ زمن, أعني منذ تلك......*
لم أكمل حديثي حتى ضربني بقبضته العنيفة, قال جملتين أطعتهما بحذافيرهما:
*لا تفتح ذلك الموضوع مجدداً و أسرع لتلتحق بي!*
ناديت أماني لتحضر لي ماءً, وأثناء ذلك كنت أضحك على قاسم! كانت له قصة مع فتاة تقطن في منطقة صديقٍ لي, لكنه في النهاية كان عبث مراهقة, وهو لا يحب فتح ذلك الموضوع!
لقد سرحت قليلاً, لكنني أفقت عندما رأيت أريج وأنتِ معها, دخلتِ وكنتِ قد رمقت ياسر بنظرة سخرية!! وإلى اليوم لم أعرف سببها!
خرجت مع قاسم بسيارتي, وكان ياسر معي.. كان الصمت حديثنا, كلانا يكره الآخر, لكن أوامر قاسم هي الأوامر..
قال ياسر ضاحكاً: * إذاً؟ ماذا ترى في أمرها؟ ألا تظن أنك تبالغ فيما تفعل؟*
*هاه؟!* كان هذا ونظرة استغراب أقصى ما ملكت تلك اللحظة, أنتِ كمن تضيع مني وهيَ بقربي!
لقد نظر لي فحسب, نظر لي فحسب. ونظرته كانت مخيفة لحدِّ الموت. أنتِ فعلاً تضيعين مني!
لم نكمل شيئاً, غرقنا في صمتنا فقط!
بعدما انتهت حفلة رفاق قاسم ذهب الأخير ليعدّل من مظهره, وبعدها اتجهنا لإحضار العروس..
كان وجه قاسم مُستنيراً ومشرقاً بغرابة, أستطيع الجزم بأن السعادة تصنع الكثير وتغير الكثير!!وعند الحادية عشرة ودقيقة, جاء زوج أريج وأخذها. وكان قاسم قد وصل هو وعروسه من ربع ساعة. وثم إنتهى هذا الحفل البسيط جداً..
لا أزال أذكر كيف أغلقت غرفتك في اليوم التالي, أخبرت الجميع أنك لا بد وأن تكوني في شرفتك, فسبقني ياسر إليك!!
كانت أريج تقسم أنها لن تغادر دون أن تراك, قلت بصوتٍ هامس لأماني ووالدي:
*قد تفعل ماهو أسوأ إن أخذناها معنا, لنتركها هنا وسنتبادل على الإعتناء بها.*
قالت لي أماني بعدها بمدة, أمل تظن نفسها بأنها عبءٌ علينا!
لم أدرك أنها كانت تسمع!! ولم أدرك أنني جعلتها تظن أنها عبء علينا.
أنت تقرأ
خريف | Autumn
General Fictionخريف, قصةُ العزلة, الكآبة والعجز بعد الفقد.. واقعٌ بريشةٍ خيالية, ذاتُ رذاذٍ لامعٍ بالأمل, دافئٍ بالمحبة, وملئٌ بالإخلاص الوفيّ.. هي أمل التي غاب عنها الأمل, كم عانت وسقطت ووقفت لتسقط بقوةٍ أكبر من الأولى, لم تكن كأبطال الحكايات الذين يصبرون على الم...