"عندما يصرخ القدر في وجهك 'عِشْ' ستعيش ولو إنتحرت مليون مرة, هذا لأنك نصفٌ صغير من سلسلة عملاقة يتحتم عليك أن تعيشها وإن كان سبب وجودك غير واضحاً! لكنه واضح وبشدة للقدر. عليك أحياناً أن ترضى بما قُسِم لك علّ الرضى يخفف عنك بعض الوجع.."
*
الأمنية, والحلم! مثل التطابق المختلف والاختلاف المتطابق بينهما مُعضلتي, رغم الفرق الذي لا ينتبه إليه أحد, ورغم التشابه الذي يعرفه كل أحد لا يزالان مختلفان متطابقان, وكذا أنا, فـياللأسى..
أمي, رحلت ولا شئ يعيدها مطلقاً! أعود للوحدة بـوحدةٍ أكبر, كانت تُخفف عني الألم, كانت تأتيني بعد كل كوابيسي لـتقول: *حلم سئ, حلمٌ سئٌ لا أكثر*
لطالما كنت أسأل نفسي كيف أستطيع أن أصبح مثل والدتي؟؟ كيف لي أن أكتسب ثقتها العمياء وجرأتها؟ كيف أحتمل وأصبر مثلها! لا أعرف كيف!!
*
أمي, أبي!! ماهذا المكان!.. لمَ السواد يعمّه؟؟
لم لا أرى شيئاً؟
كلا كلا, أستطيع رؤية خيطٍ أبيض وسط الظلام..
لكن لمَ قدماي تقودانني لأتبعه؟؟ ولمَ أرى بياضاً ملطخاً بالدم؟؟ لم أطرح عليكما أسئلتي ولا تجيبان؟؟ لم أسألكما أصلاً؟؟سحبتني دوامة أسئلتي الغريبة تلك, وعرفت أني في مكان لا أعرفه..
لا أتبيّن شيئاً مما حولي.. حيثما ألتف أرى سواداً!!
لمحت بريقاً ضئيلاً, تتبعته ووصلت لـمكان غريب!
كان كالبركة الموحلة, لكن الفرق أنها سوداء ولها جوانب بيضاء, رأيت منطقة صغيرة بيضاء مدميّة.. دم؟؟ دم!! أوَّاه!! دماء.. أجل,دماء!!
من أين تصدر؟؟ رأسي ويداي وذراعاي وقدماي وأنا!! أنا أنزف, أنزف يا إلهي!!
تذكرت, لقد سقطت من السطح! لا أذكر سوى صوت ارتطامي بالارض وصوتاً غريباً وعويل إحداهنّ.. ترى أين أنا الان؟ هل متُّ؟؟
مابالُ يداي ترتجفان؟ ورأسي أصبح ثقيلاً, قدماي لا تحملانني..
أنا أسقط, أسقط, هوَّةٌ مظلمة.. أُسحب لها تدريجياً, وصوت السلسلة تقيدني, ذاتُ الصوت عندما كنت لا أخرج من غرفتي وتروادني كوابيسي الغريبة!!
صوت السلسلة يتَّحد مع صوت اعتصار قلبي!! أنا أتحطم, قطعة قطعة!
انتهيت ياقدر, انتهيتُ وانتيهتَ أنت مني! لا شئ آخر تسلبه ولا أجزاء أخرى تقطعها, لم يبقَ فيّ شئ حي!
انتهت لعبتي معك, فزت أنت وخسرت رهاني من جديد..
تناثرت كل أشلائي, وذهب كل ما يعنيني!! ما تفعل أكثر من هذا لا يهمني, لا صدمة ولا ألم أقوى مما أنا عليه الان, هذه قمّة عذابي..
جيدٌ جداً يا قدر, لعبت جيداً!!!
تباً, أنا أسقط من مكانٍ ما ولم أرتطم بالأرض بعد!! أريد الصراخ, فقط الصراخ!
*
إنها حقيقة مخيفة, كنت أصرخ بكل قوتي عندما جاء ابن عمي *ياسر* وأريج راكضين.. كنت أصرخ وشعرت مجدداً أن شيئاً من الكتلة الصخرية انزاح..
وجدتني في المشفى, مستحيل!! ارتطمت بالارض!!
كيف أزال حية!! كيف هذا!!
* حمقاء, بلهاء, عديمة فهم, ذات عقل فارغ!!!!! ماذا حل بك! أخبريني.. جننت أم ماذا؟؟ ماذا تظنين أن حالهما الان, أسوأ من حالك بكثير يا أمل.. أتظنين أنهما سعيدان عندما يريانك هكذا.. كنت على حافة الموت!! كيف تصبحين محامية وأنت مجرمة خطيرة هاربة!!
أجرمت في حق نفسك! عليك حقاً تشغيل عقلك الفارغ هذا!! والان..*
كانت أريج تصرخ فيّ بقوة وكأنها تزيح الصخرة من على قلبها وترميها في وجهي! ذات الصخرة على قلبينا!! تغلبت هي عليها في وفاة والدي وهاهي الان تكاد تفوز في وفاة امي..
لم لست مثلها؟؟ لم كل هذا العجز؟؟ لم فقط لم؟؟ أما من أمل؟!
أنا فقط, تائهة في عالم أفكارٍ جريحة! لا أفكر سوى في كيفية تضميد جراحي القديمة ولم أتركها لتُشفى وحدها!! انشغلت بتلك الجراح ولا شئ آخر..
*
مرّت أيام وأنا في المشفى, أُصبت بكسور وجراح عديدة, تزورني أختي هي ومحاضراتها كل يوم, ويزورني بعض أقاربنا.. كانت زيارتهم لمسة شفقة.. يرونَ أنني جننت ولا أدرك ما أفعل!
لا يعلمون أني قفزت وأنا بكامل وعيي وقواي العقلية.. أدرك أني سأموت, أدرك أني سأراهما.. وأغنتني غشاوة عن رؤية الاغطية القديمة المهترئة عن الموت!! سقطت على حافتها, وارتددت على التربة.. وابن عمي الاخر *عمر* لحق بي وأراد إمساكي قبل أن أسقط,لكني تجاوزته, فطار أربعة صفوف من الادراج في أربع قفزات وكانت الخامسة نحو المشفى!
لقد لعب دور البطل بمهارة!!
وصلني كل هذا من أريج, تحدثني بكل شئ, كما تفعل أمي.. سابقاً!
أخبرتني أيضاً بشئ عن أن *عمر* قلق بشأني..
لم أهتم لكلامها كثيراً, كانت أريج سريعاً ما تضجر من كلامها معي, فكنت فقط أحدق في اللاشئ وأستمع ترَّهاتها!!
لكنها بعد أن تقف في لحظة غضب تعود وتجلس بعيونٍ دامعة! غريبة عائلتنا حقاً..
لا يزال أمامي عدة أشهر حتى أتعافى, أصبت بكسور كثيرة وأحدها خطير جداً, لكني واثقة أني سأُشفى سريعاً,ذلك أني لا أبرح سريري كثيراً!
مسألة وقتٍ ونرى, هل سأخرج أم لا!!
أنت تقرأ
خريف | Autumn
General Fictionخريف, قصةُ العزلة, الكآبة والعجز بعد الفقد.. واقعٌ بريشةٍ خيالية, ذاتُ رذاذٍ لامعٍ بالأمل, دافئٍ بالمحبة, وملئٌ بالإخلاص الوفيّ.. هي أمل التي غاب عنها الأمل, كم عانت وسقطت ووقفت لتسقط بقوةٍ أكبر من الأولى, لم تكن كأبطال الحكايات الذين يصبرون على الم...