٣/٨/٢٠٠٨
في إحدي الڤيلات التي بُنيت علي الطراز الفرنسي الحديث...كانت ڤيلا واسعة ذات طابقين...خمس غرف في الطابق العلوي أما في الطابق السفلي..كان يوجد مطبخ امريكي مفتوح علي صالون ذو قطع أثرية تباع بألاف بل ملايين في المزادات المعروفة.....
جالسة علي "chaise longue" في غرفتها الواسعة تستمع إلي أغنية عبد الحليم حافظ:
"في سكة زمان راجعين ...في سكة زمان زمان ...في نفس المكان ضايعين في نفس المكان ...لا جروحنا بتهدي يا قلبي.."
أخذت تسمع تلك الأغنية مراراً ....تستعيد ذكريات الماضي التي لا تفارقها لحظة واحدة...هي لا تستطيع استيعاب ما حدث حتي الأن...الماضي يطاردها و يجعلها تشعر أنها في دوامة لا تنتهي... تائهة في بلدة أخري ...
أسئلة كثيرة مطروحة في رأسها لا تجد لها إجابات....هل انتهي كل شيء؟...ماذا تخبيء لها هذه الحياة؟...هل هي سعيدة بالحياة التي إختارت أن تعيشها؟...هل هي قوية بما يكفي لتتحمل تلك الحياة المفقود الأمل منها؟...و السوأل الأهم ..هل هي علي قيد الحياة ام فقط تتنفس؟....
********************************
نازلي سيدة في الثامنة و الثلاثين من العمر...كانت تعمل صحفية في مجلة "أخر ساعة"....منذ نعومة أظافرها و هي تعشق الكتابة....بالنسبة لها كانت الوسيلة الوحيدة لتعبر عن ما بداخلها خاصةً بعد موت أمها....ولكن كما يقولون تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فبعد موت أمها بشهرين تقريباً أسرع والدها بالزواج للمرة الثالثة من فتاة لا يتعدى سنها الإثنين و العشرين.... أي أن الفرق بينهما كان أكثر من خمس و عشرين عاماً.....
ولكنها اعتادت علي أخذه لقرارات دون تفكير....اعتادت علي عدم اهتمامه بها كنازلي...حتي الأن لا تذكر مرة واحدة تحدثا فيها معاً عن شيء يخصها منذ أن كانت في الجامعة...كانت في الغالب لا تراه كثيراً ....كان دائماً يقول "إنتي كبيرة كفاية إنك تتحملي المسؤلية و تواجهي الحياة"...لطالما كانت تشعر أنه لا يعتبرها إبنته من الأساس....كانت تعرف أنها مجرد نتيجة لخطأ ارتكبه في حق نفسه.... بزواجه من أمها....
بينما كانت تبحث بين أغراضها عن ساعتها التي لم تجد لها أثر في أي مكان...سمعت صوت وقوع شيء ثقيل...فوجدت أنه صندوق حديدي صغير يغطيه الغبار ... أخر مرة رأت فيها هذا الصندوق كانت من تسع سنوات .....هذا الصندوق الذي يحمل الماضي.....الماضي الذي حاولت نسيانه منذ زمن...و مازالت تحاول ولكنها لم تستطع!!..
فتحته ودقات قلبها تتزايد...وجدت فيه صور طفولتها و أيام المراهقة...الصور كانت "أبيض و أسود" لأنها إلتُقطت بكاميرا فورية قديمة...
أخذت صورة مكتوب أسفلها تاريخ....لم يكن واضحاً ولكن أمعنت النظر فوجدت "٢/٤/١٩٨٠"...ظهرت في الصورة والدتها ...كانت نحيفة،شقراء...شديدة البياض مثل إبنتها...شعرها كستناءي مموج،..عينيها بنيتان.... ترتدي فستان أسود "sans brutelles" يوحي بذوقها البسيط....من يومها تعشق البساطة...تذكرت نازلي عندما كانا يتحدثان معاً ..كانت أمها تقول: "أحسن حاجة إن البني آدم يبقي سهل و بسيط... أي حاجة تبسطو"...لم تكن نازلي تفهم هذا الكلام وقتها...لكن مع الوقت أصبحت تفهم كل شيء.....
ظهرت في الصورة والدتها التي كانت تحتضنها في يوم عيد ميلادها العاشر....تذكرت هذا اليوم كما لو كان البارحة...انهمرت الدموع من عينيها بحرارة من شدة الألم الذي كان يسيطر عليها...شعور من المعاناة يسود بداخلها...للمرة الأولى منذ زمن تترك نفسها و تبكي... لأول مرة تشعر بالضعف يتغلب عليها.... لأول مرة تعترف أمام نفسها أنها ليست قوية كما تدعي!..
هي بشر...لديها مشاعر و أحاسيس ..ليست جماد ...كادت تنسي!!...
أمسكت بصورة أخري ..كانت واقفة مرتدية قميص أبيض و "jupe" حمراء...و القبعة السوداء ممسكة بشهادة التخرج من المدرسة بتقدير جيد جداً ...
كم افتقدت ذاك الشعور.... الإحساس بالفخر...
توقفت لبضع دقائق تحدق في الصورة .... تستعيد ذكريات هذا اليوم....وقتها كانت تشعر أنها أقوي من قبل و أن لا شيء يستطيع ايقافها مهما كان...
ولكنها لم تكن علي حق!!
********************************
أنت تقرأ
أقدار مكتوبة...
Krótkie Opowiadaniaإحنا ضحايا لقرارات خدناها في لحظة تسرع ....كل مادة بندفع ثمن اختياراتنا ...بنكتشف إننا كنا أضعف من إننا نواجه نفسنا .... ممكن نكون كنا مضطرين فقررنا إننا نمشي في الطريق ده مجبورين... أو إننا مكناش في وعينا!!