مازال أيمن يبحث في حقل الياسمين وينادي على أخيه لكن يمان لايستطيع سماعه وهو قد دخل في مرحلة اللاوعي ، أخذ يبحث هنا وهناك حتى عثر عليه أخيراً ، حمله وركض به الى خارج الحقل كانت هناك دماء على ضهره لقد اخترقت الاشواك جلده المحترق بالشمس ، جسم يمان ضعيف منذ ولادته على عكس توأمه ، هرع ايمن راكضاً الى المنزل وهو يحمل أخاه على ضهره وعندما وصل الى البيت اثار غارة وهو يصرخ ويبكي بفزع
كان ينادي على ريان كي يساعده ، نزل الآخر مسرعاً كما فعل الجميع ، بعدما رآه بهذه الحاله ركض اليه ليتفحص جسمه المغطى بالأشواك ، كان الجميع يتسائل ماذا حدث ؟
"لا اعرف ، لا اعرف "
خائف على توأمه العنيد وهو مستمر في البكاء
"لم انتبه له "
وكأنه ملاكه الحارس ؟ لطالما كان يعتبر نفسه هو المسؤول عنه..
تأفف ريان وهو يزيل تلك الاشواك
"هذا لن ينفع لنأخذه الى المشفى بسرعة اعتقد بأنه انه يحتاج الى غسيل كُلى حالاً " دون فحص هو يستطيع تشخيص حالته..
كانت الام تنظر اليه بقلق دون ان تتفوه بكلمه ربت ريان على كتفها
" أمي اذهبي الى الفراش مازلتي متعبة انه بخير ونحن سنبقى معه لذا لاتقلقي "
"كيف لي ان ارتاح انه صغير جدا كي يتحمل ذلك الألم؟"
" لانه دون طعام منذ الصباح بالتأكيد سينهار؟"
نسخة الجد الصغيرة بكلامها اللاذع كالمعتاد
دون علمها ان الجد يقف خلفها تماماً ، تقدم الجد نحو يمان وجلس بجانبه وهو يتفقد جسمه أخبره ريان
" جدي لاتقلق سوف يصبح بخير ، مروان ماذا تنتظر احمله الى السيارة "
" ابنتي اسيل ماذا تفعلين الن تجلبي لي عُكازي ؟"
القلق من ان يكون هو السبب يجب ان يطمئن على حفيده قبل ان ينصحه الطبيب بالبقاء
"جدي لاداعي لان تأتي معنا انا سأتصل وأطمئنك عليه بالتأكيد"
"بل سأذهب معكم " اصراره قاطع ..
نقلوا يمان الى المشفى ، كان يحتضنه ايمن بين ذراعيه طوال الطريق والجد ينظر اليهم في المرآة الاماميه انه نادم وغير نادم على مافعله فبالرغم من ان يمان إنهار بتلك الطريقة الا انه من جهة ثانيه قد علم ايمن مدى حبه ليمان فهو لم يُدرك ذلك لأنهما يتشاجران طوال الوقت ، وتلك كانت غاية الجد عندما ارسل الاثنان معاً وأيضاً كان يحاول أعطاءه المجال لشرب الماء هو لم يكن يعلم بأنه سيطيع أوامره الى تلك الدرجة ...
ريان يقود والغضب يكاد يتفجر من عينيه ينظر الى ذلك الجسد الممزق خلفه في المرآة " انه مجرد طفل"
قال ذلك بنبرة عالية قريبة من الزجرة ، لكنه استدرك وخفض نبرته بسرعة
" آسف"
بعدما نظر له الجد بطرف عينيه التي تآكلت أطرافها بسبب التجاعيد لكنه لم ينطق بحرف فقط أعاد بنظره الى الطريق أمامه وتجاهل غضبه من ريان للحظات ..
وبعد مرور بعض الوقت من وصولهم الى المشفى اتصل ريان بآسر كان يفكر بأنه من الضروري ان يعلم آسر بالأمر ، اجابت لينا على هاتفه
" نعم ريان ؟ هاتف آسر مازال في غرفته "
" حقاً ؟ كيف سأصل له وأخبره بالامر ؟"
انه قلق على ذلك الصديق صاحب الرأس الجاف أكثر من قلقه على الطفل المرمي على سرير المشفى ..
"أنا سأحاول الوصول اليه لاتقلق "
وما لايعلمانه ان آسر في عالم آخر فهو الآن يقف على باب منزل أرسله اليه صديقه ادوارد حيث قال له ان هناك شخص يود مقابلتك بشأن العمل فذهب آسر بعد ان ترجاه ، طرق الباب ، بقميص أبيض أضيق عليه من ملابسه المعتادة وسترة سوداء كلاسيكية وبنطال برز تفاصيل جسده بما ان جسم ادوارد اقل منه نحافة، مع ذلك فهو بدى كعارضي الأزياء بتلك البدلة الرسمية ، فتحت له فتاة ، صُدم آسر عندما رآها أمامه ، انها نفس الفتاة التي كانت على علاقة به قبل خمس سنوات ، نظر لها بدهشة، بتوتر
" انتِ ؟ كيف حدث ذلك؟"
" انا من تحايلت على ادوارد لأيام كي يدبر لنا لقاء مع بعضنا ، وها انت الان تقف أمامي " بتلك الثقة تتلفظ بهذه الكلمات أمامه ؟
أطبق على اسنانه قائلاً بحدة
" ادوارد ذلك ال ... "
ثم اخذ نفس عميق يتدارك الأمر
" انا آسف لا استطيع التحدث اليكِ "
وبينما كان يهِمُ بالذهاب أمسكت الفتاة بيده
" اسمعني ارجوك"
" لا اريد ان استمع لكِ فعلى اي حال انتِ لاتهميني بشيء "
" وعائلتك ؟ هي الأخرى لاتهمك؟"
تعرف نقاط ضعفه تماماً ، ماذا تقصد بعائلتك غير ريان وميرا ..
توقف بتردد ثم افلت يدها
" ماذا تريدين بعد كل تلك السنوات؟ مالذي ذكركِ بي ؟"
"حبي لك"
على من تكذب ؟ انه يعلم تماماً من هي ، قال بسرعة يصحبها غضب
" مرام... هذا يكفي"
" آسر صدقني انا نادمه "
ضحك بإستهزاء " تُرهات "
"ادخل قليلاً لنتحدث صدقني لن اتعرض لك مرة اخرى فقط اسمعني هذه المرة
" وكأن قتله قبل سنوات لم يكن كافي لتأتي مجدداً بأكاذيب مختلَقة ،
تردد قليلاً وبعدها دخل الى الشقة ، جلس على طاولة الطعام وهو لاينظر الى وجهها ،
" تحدثي بسرعة ليس لدي وقت"
امسكت بيده " لنحتسي بعض النبيذ اولاً "
سحب يده قائلاً بعجرفة "انا لااتذوق هذه الاشياء ولا تحاولي لمسي مرة اخرى"
نظرت اليه بجفاء ، انتصبت على متكأ الكرسي وضمت ذراعيها لبعضهما ثم اطلقت زفرة ملل قائلة
" حسناً اذا لأحتسي انا النبيذ الذي تمقته كالجحيم وانت شاركني بشرب القهوه ،هل هذا لا تتذوقه ايضاً؟"
نهضت جالبةً معها فنجان القهوة وكأس من النبيذ الأحمر ...
" ماذا تريدين مني ؟ بعد كل مافعلتيه؟"
" ان نتواعد مجدداً، نعود مرة أخرى كحبيبين مع بعض"
ضحك بإستهزاء " لن أُخدع مرتين ، تذكري جيداً انكِ انتِ من خانتني اولاً "
رفع فنجان القهوة قربه من شفاهه دون حذر آخذاً رشفة واحدة وأعاده مرة اخرى على الطاوله بإجحاف يلتقط سترته من خلف ضهره هاماً بالخروج، أمسكت يده بقوة قائلة بحِدة
" لاتستعجل القيام فقد لا تستطيع الوصول الى الباب حتى"
في تلك اللحظه شعر بدوار شديد وكأن البيت يلتف به بسرعة البرق، هوى على الكرسي لايقوى على فتح عينيه ، نظر اليها تبدو ضبابية أمامه، وهو يكاد لا يلفظ انفاسه
"ماذا فعلتي؟... ماذا وضعتي في القهوه ؟" بأنفاس متقطعه ..
اجابته بنبرة قاسية وهي تضع يدها تحت ذقنه وتحرك اصبع الابهام على شفاهه بنعومة " أحزر ماذا ممكن ان يكون"؟
في تلك اللحظه تخدر آسر كلياً ولم يستيقظ الا في الصباح ، نهض من السرير رأسه يدور ولا يعلم مالذي حدث في تلك الليلة فهو لايذكر شيء على الاطلاق ، اخذ يتلفت في ارجاء الغرفة ، الفتاة غير موجودة في المنزل كانت قد تركت له رسالة بأنها مضطرة للذهاب الى العمل ..
إرتدى قميصه بسرعه و خرج من المنزل وهو يحاول تذكر اي شيء من تلك الليلة لكن دون جدوى ، كل مايذكره هو فنجان القهوة ،
استقل سيارة اجرة وذهب الى الشركة وعند دخوله الى غرفته وجد لينا تجلس على المكتب تنتظره ..
" مفاجأة "
انها فعلاً مفاجأة لم يرغب بأن يراه أحد بتلك الحالة ..
" ماذا تفعلين هنا؟"
"لقد جئت للأطمئنان عليك فلم نستطيع ان نعلم اين ذهبت يوم أمس وهاتفك كان في المنزل"
" آه لقد نسيته انتِ تعلمين كيف خرجت"
جلس على الكرسي يُلهي نفسه بأي شيء ، كان غاضب منها ، لا يستطيع النظر الى وجهها ،
" آسر أنا آسفة لأنني قلت لك أشياء لايجب قولها "
" لا مشكلة "
لم يرفع رأسه عن الاوراق التي كان يدّعي بأنه يتفحصها ،
" هل انت غاضب ؟"
" لا "
" آسر انت تعلم مدى حبي لك أليس كذلك ؟ هيا لا تتصنع الزعل انت لا تغضب مني أبداً "
" وما ادراكي بأني لم اغضب ؟"
" انت تقول لي ذلك دائماً ، لم انم طوال الليل من قلقي عليك "
عموماً كنت عند صديق لي ولكن حسنٌ مافعلتي بقدومك الى هنا، اتصدقين "
وغمز لها قائلاً بصوت خافت
" لقد اشتقت اليكِ "
" ياه آسر لقد اصبحت رومانسي لاتجعلني اقفز الى استنتاجاتي بسبب تلك النظرة في عينيك ، ماذا فعلت ليلة البارحة؟ "
" لا داعي ل ياه واستنتاجات فأنا أعيش كالراهب كما تعرفين "
كان يحاول ان يغطي على غضبه وكأن ما حدث ليلة أمس ليس كافي ليتحول الراهب الى شيطان ،
"أحقاً كالراهب؟ اشك في ذلك"
سحبها من الكرسي ودفعها خارج الغرفه
"هيا اذهبي لدي عمل "
اغلق الباب خلفها " تلك المجنونه"
إبتسم على تصرفاتها ، فتحت الباب مرة أخرى ودخلت تخبره بما كانت آتيه لتخبره به "يمان في المشفى "
فتح عينيه بقلق " ماذا؟ لماذا ؟"
بالتأكيد سيعتقد بأنه هو السبب كالعادة
"لقد تدهورت صحته يوم أمس وأضطررنا الى نقله للمشفى ولكن لاتقلق فهو الآن بخير وقد أفاق صباحاً وسوف يخرجوه من المشفى اليوم"
ظل صامتاً وأنزل رأسه بإستياء ، ثم قال بصوت منخفض يحدث نفسه
" اللعنه اخي في المشفى وانا احمق اين كنت"
"آسر مابك ؟ هل هناك خطبٌ ما؟"
"لا.. لاشيء لدي عمل الآن سأعرج على المشفى في وقت الغداء لأطمئن عليه ،انتِ أيضاً التفتي الى عملك"
فور خروج لينا من المكتب رفع سماعة الهاتف وطلب ذلك الرقم بغضب حتى انه اوشك على كسر ازرار الهاتف ببصماته ،
" تعال الى مكتبي فوراً"
لم تمر دقائق دخل ادوارد ، وقف مواجهاً له ، كان بإنتظاره
"ماذا هناك ؟" لم يستطع اكمال جملته حتى لكَمه بقوة اسقطه على الارض ،
فتح عيناه الواسعة ، ظل باهتاً لايعلم مالذي يحدث ،
" انهض"
"آسر ماالأمر ؟ مالذي حدث لك ؟"
صرخ بوجهه "أحقاً لاتعلم مالذي حدث؟ ايها الوغد لقد ارسلتني الى هناك مع علمك ماذا تكون مرام بالنسبة لي لماذا ؟"
" وماذا في ذلك ؟مالذي حدث ؟ لقد توسلت بي لأيام لكي تتكلم معك ، هل أغضَبَتك ؟حقاً لم اقصد ايذاؤك "
"لماذا فعلت ذلك؟ لماذا لم تخبرني؟"
"آسر صدقني.... "
أسكته بصوت غاضب "أخرس ...ادوارد انت الوحيد الذي مازلت اثق به أتخدعني ياادوارد بتلك الطريقة ؟"
أمسك رأسه واستند بيده على المكتب يشعر بالدوار ، وضع يده على صدره يتنفس بصعوبه..
اسنده قليلاً " آسر؟ هل انت بخير ؟"
ضرب يده بقوة "ابتعد"..
" ارجوك آسر اهدأ واخبرني مالذي حدث ؟"
"أخرج من هنا "
" آسر ؟"
صاح بغضب" قلت لك اخرج "
" آسر الا تعتقد بأنك تبالغ ؟ على الاقل استمع لي انت لن تفهم احداً طالما تبقى بذلك العقل المتحجر "
يرفع صوته بالرغم من انه هو المخطأ ، خرج من المكتب و أغلق الباب خلفه بقوة ...
أنت تقرأ
أزهار الياسمين
Romanceليس المرض هو ماكان يجعل من حياته صعبة ، لكنه ذلك العجوز اللعين ! يحملون دمائي يجب أن يطيعوني! بين الماضي والحاضر هناك فجوات مظلمة ليس من السهل الخوض في الحياة دون الوقوع فيها،التمرد والغطرسة، حب الذات والرغبة في الحرية ، الخوف من المجهول ،إنعدام ال...