"الفصل الثاني عشر"

242 10 3
                                    

" رائع آنستي لقد تحسنتي كثيراً "
يلتفت الى حفيدها يخبره بأنه ليس هناك داعي لأبقاءها في المشفى اكثر من ذلك
" يمكنك ان تُخرج الجدة صباح الغد "
يتمنى لها الشفاء تاركاً صالة المرضى ليرد على هاتفه الذي كان يهتز في جيب معطفه الأبيض
" اهلاً آسر اين انت يارجل انا اتصل بك منذ الصباح؟ "
صوت يرتجف ،شخص خائف في الطرف الآخر من الهاتف ، ليس صوت آسر، يثير الخوف داخله، تقرر أخيراً ان ترد
" ريان ساعدني.. آسر"
صدمه الإسم بعد تلك الكلمة
" مالذي حدث لآسر "
يتسائل بفزع لا يرغب بأن تأتي تلك اللحظة التي يخبره أحد ما ان آسر حدث له شيء
" لقد انهار .. انه لا يتنفس"
يستمع اليها بينما يركض بهلع الى خارج المشفى قبل ان يغلق هاتفه
" مالذي حدث لآسر أخبريني ؟"
" انا لا اعلم .. اخشى ان يكون .. قد مات"
تتردد في نطق الكلمة الأخيرة..
يستقل سيارته ، يقود بأقصى سرعته وهي مازالت على الخط ، وضعه على مكبر الصوت ليستمر بالتواصل معها
" لا تتفوهي بتلك الحماقات هيلين ، اخبريني كيف وضعه وماذا حدث بالضبط ؟"
" حسناً لقد شعر بصداع و دوار وبعض الرعشه في جسده كنت اشعر بها عندما امسكت به، ثم لم يعد قادر على التنفس وفقد وعيه ، ريان لقد كان يصرخ من الألم "
" حسناَ لا تهلعي انا معك ، هل تملكين جهاز اوكسجين او أي شيء من هذا القبيل "
" نعم لدي واحد "
" حسناً ضعي له الاوكسجين ، وقيسي حرارة جسده ان كانت منخفضه ، حاولي ان تدفئيه على قدر الأمكان ، ضعي وسادة اسفل قدميه "
" اعطيه جرعة مسكنة كذلك ، اتمنى ان تكون لديكِ واحدة "
عادت لترد بعد دقائق قليلة
" حسناً فعلت ماقلته بالضبط لكن ليس لديَّ مسكن ريان "
" لامشكلة لقد اقتربت من منزلك ، افتحي لي الباب "
بنفس ذلك الخوف ،بمعطف الطبيب الذي لم ينتبه انه مازال على جسده يركض بسرعة الى داخل العمارة ، يوقفه المصعد الذي بدا وانه بالطابق العشرون سيأخذ وقت لنزوله ، كانت درجات قليلة ليصل الى الطابق الثالث ، يلغي قرار المصعد ، يركض بنفس تلك السرعة يصعد السلالم واخيراً هاهو يقف على باب شقتها الذي كان مفتوح دخل مسرعاً دون وعي وجد نفسه في غرفة المعيشة ،يلهث بقوة ،جبينه يتصبب عرقاً بوجه شاحب ،شفاه بيضاء، يتملكه الرعب ، أغلق عينيه بألم وهو يراه مستلقياً أمامه على الأريكة يتصل بجسده جهاز الأوكسجين ، جلس بجانبه يتفحصه يتحسس نبضه الذي كان ضعيف كما يفعل كل مرة
" هل نزف كثيراً"
يوجه سؤاله لها، تقف خلفه ترتجف تشعر ان جسدها متجمد رغم حرارة الغرفة ، لم تجيبه يبدو ان عقلها غاب للحظات
" هيلين ماذا اصابكِ ؟ انا لا اريد مريض آخر أمامي عودي الى رشدكِ"
بصوت عالي يؤنبها دون شعور يتهمها بداخله ، هي من جعله ينهار ،
" هل جعلتيه يغضب ؟،هل اثرتي اعصابه؟ "
" انا لم افعل شيء لقد كان يهم بالمغادر لكنه انهار ، لم يحدث شيء صدقني"
" حسناً لا مشكلة "
يتكلم بهدوء، عادت نبرته الى ذلك الطبيب الذي يعتني بمرضاه نفسياً قبل ان يكون جسدياً ، يغرس تلك الابره بذراعه ليحقن داخلها ذلك الدواء المُسَكن لعله يستطيع السيطرة على ألمه قليلاً
" الورم يزداد حجماً، لقد حذره البروفيسور من العصبية ، هو لايهتم لصحته ابداً"
" مالذي يحدث ريان ؟ هل آسر مصاب بمرض خطير؟"
وكأن ذلك غير واضح ؟ وكأنها لم تدرس الطب يوماً ، تخشى ان يكون ماتفكر به صحيح فتخدع نفسها بأنها مخطئه..
" انه سرطان هيلين ، آسر مصاب بالسرطان "
يتركها بصدمتها ،بفزعها بندمها في نفس الوقت ، يلتفت اليه مرة أخرى يستمر في النظر الى ملامح وجهه المتألمه ، يتفحص نبضه مرة اخرى ، وضع راحة يده على جبينه يتحسس حرارته ،يمرر يده على خصلات شعره لطالما كانت تلك الطريقة المثالية لمواساته بالنسبة لريان
" انه يتعذب "
تلك الكلمة خرجت من فمه لتجعل دموعه تفِر من عينيه ، مازال يؤنب نفسه على ذلك الأمر مازال يعتقد بأنه هو السبب في مرضه ..
مرت ساعات وهو على نفس الوضعيه لم تطرف عيناه حتى، يحني جسده قريباً منه وكأنه يساعده على التنفس ،يتصل نبضه بنبض آسر، يشعر بكل دقة بقلبه بكل نبضه ضعيفة كانت أو قويه لم يزيح أصابعه عن معصم آسر الا بعد ان قاطعه صوتها الهادئ بعد كل ذلك الوقت
" هل أصبح بخير الآن؟"
وأخيراً عاد الى رشده ،يمسح دموعه التي غزت خديه منذ ساعات، تنظر اليه بعيناه المتورمة ، حالته اصبحت مزرية ، فصل عنه الاوكسجين ليجعله يرتاح أكثر
" ريان هل انت بخير ، إن أصابك شيء سأهلع أيضاً من سيهتم بكما"
تحاول تلطيف الجو أكثر ليشعر بالراحة ، جاملها بإبتسامة ضعيفة على جانب شفتيه ثم نظر اليها بإستغراب
" هل انتِ حقاً طبيبة هيلين ؟ كيف تهلعين وهناك مريض يحتاج للمساعدة؟"
" مريض آخر ممكن، لكن ليس آسر لقد خفت عليه وهو يصرخ لا أعلم ماذا أصابه ، ثم انني طبيبة نسائية لاأعرف كيف اتصرف في مثل هذه الحالات "
" طبيبة نسائية ، هراء ، انتِ درستي الطب لا تتهربي من المسؤولية يجب عليكِ ان تعرفي الاسعافات على الأقل "
كان يتحدث بسخرية يحاول تغيير الجو الذي اقحماها به هو وصديقه ، وقف أخيراً يُدلك ركبتيه واسفل ضهره من التصلب الذي اصابه
" لقد استعاد لونه أخيراً ، انه بخير الآن ، تستطيعين الأعتناء به اليس كذلك؟"
" هل سترحل؟ انا أخاف لا تتركني"
" هيلين لاتتذمري قلت لك انه بخير ، ثم انني لااستطيع التأخر عن البيت الجميع سيشك بالأمر لم نتعود ان نسهر بالخارج انا وآسر معاً، سأخبرهم انه سينام عند صديقه الليلة طبعاً ان كان هناك احداً مستيقظ لقد تعدت الواحدة والنصف"
" حقاً ستتركه هنا؟"
" لا سأخذه الى البيت بهذه الحالة لكي تقيم والدته واخواته عزاء ، انه ليس مصاص دماء هيلين كما انه مريض لن يؤذيكِ"
كلمات ريان وطريقته في المزاح كانت دائماً ماتخلق جو مريح بتواجده في أي مكان يذهب اليه وهذا ماجعلها تبتسم اخيراً
" من اخبرك انني خائفة منه ، انا خائفه عليه ان حدث له شيء ماذا سأفعل "
" ان حدث اي شيء اتصلي بي سأتأكد من ترك هاتفي تحت عيناي"
" إذاً هل سنتركه ينام هنا ، الاريكه ضيقة على جسده انه أطول منها ريان ، حاول ان تنقله الى السرير سيرتاح اكثر "
" مجنونة انتِ كيف سأنقل هذا العملاق لوحدي لن اجازف بضهري ، انا احتاج الى عظامي"
" احمله ريان أرجوك سأساعدك "
تأفف بملل يحرك رقبته يميناً ويساراً يحاول أعادة نشاط عظامه
" حسناً سأحمله على ضهري ، اتمنى ان لا يتكسر لقد تورطت به وانتهى انه غلطت طفولتي "
كان لابد له أن يطمئن عليه قبل أن يغادر وضعه على السرير يرتب الوسادات تحت رأسه ، أنزع عنه سترته ،فتح قميصه قليلاً يحاول تغطيته بغطاء دافئ قدر الإمكان ، أعطاها تعليماته وترك بجانبه حقنه للساعة الثالثة صباحاً ..
خرج من البيت قلبه وعقله متعبان أكثر من جسده وكأنه اول مريض يعالجه ، انه ليس أي أحد أنه آسر
" أحميه ياالهي"
لأول مرة يشعر ريان بأنه يحتاج الى قوة اكبر من الطب يستنجد بها انه يدعي طوال الطريق كي يحميه ، بذلك الأمل الضعيف المتبقي له من كلام البروفيسور ..

أزهار الياسمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن