الفصل الخامس عشر

15 1 0
                                    


في اليوم التالي خرجت انجي من منزلها , حاولت اخفاء عينها المنتفخة اثر حالة البكاء القاسية التي باتت فيها بالأمس ,هي لم تنم كالعادة مما جعل الامر أسوأ ... ارتدت نظارة شمسية وخرجت .
بدأت عملها بكل ما أوتيت من قوة أرادت أن تنسى كل شيء تنسى ألمها , والدتها ووالدها الذي اخيراً سوف تعرف عنه شيئا ,لقد علمت بالأمس أن والدتها كانت تعلم عنه بعد أن اختفى, ولكنها دائما كانت تخفي الأمر ما الشيء الرهيب الذي ارادت ان تخفيه كل هذه السنين كما اخفت السنين كل شيء عن عادل .

حين جاء لها اتصال فأخرجت هاتفها واجابت :
"مرحبا "
رد صوت جهوري مصطنع وكأنه صوتٌ مركب قائلا:
"انتِ امامك حتى نهاية الاسبوع لكي تذهبي من هنا دون رجعة أتفهمين ,سوف اتصل بكِ مرة اخرى لأعلمكِ بترتيبات سفرك , ولا تحاولي أن تخبري الشرطة او أي احد تعرفينه ,فوالدتكِ تحت أعيننا و أي تهور منكِ سنقتلها "
اقفل الخط بينما وقع الهاتف من يد انجي بعد ما سمعته انقبض قلبها وصدمت.

****************

"احمد كيف حالك"
قالتها ياسمين بلطف فأردف الآخر بجمود:
"اهلا ياسمين "
"كيف الحال "
"بخير "
"وانا كذلك ايضاً "
"اجل "
"حسنا هنالك حفل أريد ان احضره معك انه حفل في الاوبرا فهل توافق "
"اعذريني ولكني مشغول هذه الايام ولن استطيع ان اخرج "
"ولكن ما الذي يشغلك الى هذا الحد انت تصدني في كل مرة احاول ان اتحدث معك فيها "

"الامر ليس هكذا ولكني حقا مشغول "
"اذا لماذا تخطبني وانت مشغول , كان عليك أن تجد وقتاً أفضل "

اقفلت ياسمين الخط .
***************

هرعت انجي بين ممرات المشفى كما هرعت و هي تخرج من المسرح بعد ان سمعت ما سمعت , انتابها شعور بأن والدتها في خطر.
امام غرفة والدتها رأتها انجي من خلف العازل الزجاجي , كانت نائمة بسلام وجهها جميل لا يبدو عليه المرض . بكت لا تدري لما تبكي ربما تريد ان تحضن والدتها وان تبكي بين احضانها .

جلست قليلاً حين رن هاتفها فأجابت :
"مرحبا يا احمد"
"مرحبا... لدي لكِ خبر سعيد "
"ما هو"
" لقد تحدثت مع طبيب عائلتنا في لندن , سألته إن كان بإستطاعته أن يعالج والدتكِ ام لا ..فاخبرني بانه يرحب بها في أي وقت غير أن عمليتها في الخارج يفوق نجاحها ال90% , ما رأيكِ"
"حقا ..هذا رائع, ولكن كيف سأذهب "
"لا تقلقي انا من سأتكفل بكل شيء سفرك و اقامتكِ هنالك حتى تتحسن والدتك "
" لا هذا كثير حقا, منذ ان عرفتني وانت تورط نفسك في هذه الأمور "
"لا أتورط ولا أي شيء , حسنا سوف احدثه ولكنه الان مسافر وسيعود بعد اسبوعين وسوف تظل والدتكِ في المشفى طيلة الاسبوعين , وانا سأتكفل بالترتيبات الامر منتهي حسنا"
"اشكرك من كل قلبي , لا ادري ماذا اقول "
"لا تقولي اي شيء فقط انسي الموضوع واتركيه علىَّ ,حسناً "
"حسنا "

********

قامت ناظلي من على سريرها بصعوبة اخرجت البوم صور كانت قد خبأته بين خبايا دولابها العملاق الذي يحتوي من الملابس ما يكفي لكساء فقراء مصر بأكملهم !اخرجته, كان ثقيلاً مما ادى الى عدم اتزان جسدها النحيل والتعب, امسكته جيدا وجلست على سريرها.
فتحته , كان به الكثير من الصور , صور تَجْمَعُها بكل من لم تعد تسمع عنهم أي خبر, اولهم والدتها ووالدها , زوجها , وفريدة ,عادل و الكثيرين تذكرت تلك الايام التي كانت تشرق شمس كل يوم بكل فرح ونشاط تبعث في النفس شعور بالرخاء بين الاحباب في حياة قريبة مع من نحب و لمن ننتمى بحق.
اخذت الهاتف الارضي واتصلت بالمحامي قائلة:
"مرحبا "
"مرحبا سيدة ناظلي كيف الحال "
"بخير "

"كيف اموركِ انتِ ,يبدوا على صوتك التعب"
"لا شيء فقط بعض الاجهاد , اردت ان اسألك عن كمال "

تردد ثم قال :
"اجل "
"اعلم انه سؤال غريب فانا لا اسأل عنه في العادة ولكن انا بحاجة ماسة لان اعرف مكانه "
"حسنا سيدتي لقد سافر "
"اجل كعادته ,متى سيرجع "

فاردف ببطء:
"لا سيدتي هو ... لقد سافر بلا رجعة"
"ماذا "
"اجل لقد قام بتصفية كل أملاكه و كتب وصيته وسافر "
"ولكن كيف"
" لقد شعر بانه لا يجب ان يكون في مصر لم يعد لديه احد فقرر ان يذهب بعيدا ليموت بسلام هنالك وحده دون احد"
"ماذا يموت "
"اجل الا تعلمين "
" انا لا اعلم شيئاً "
"لديه سرطان من الدرجة الثالثة لديه فقط شهور قليلة وسوف يغادر الحياة ,هو يتعالج ولكن نسبة الشفاء بسيطة جدا "

تسمرت ناظلي في مكانها لم تنبس ببنت شفه وقعت عليها الكلمات كصاعقة ثقيلة تحمل بين رياحها الكثير من السكاكين التي تطعن بها من كل صوب وحدب .
"سيدتي ...سيدتي "
اوقعت ناظلي الهاتف و اغمى عليها .
*******************

خرجت انجي من المشفى , كان شعورها ممزوج بالتوتر والقلق والخوف من ذلك التهديد الذي جاءها و شعور بالفرحة و الاستقرار لأجل الخبر الذي اخبرها به أحمد .

تمشت في الطرقات حاولت ان تترك العنان لروحها ولو قليلا , هى إنسانة ويجب ان تنعش هذا الجسد الذي شعر بثقل فجأة دون سابق إنذار .

لقد فقدت الحياة روعتها ورونقها , لم تعد مشوقة كالسابق , باتت رتيبة يعقُبها احساس بالفراغ وربما الانكسار,لم نعد مهتمين لما يحدث حولنا ,فلقد حدث بالفعل ما دمرنا وجعل رغبتنا في الحياة وفي الاهتمام تبدوا زائفة .لم نعد نهتم للغد حيث اعتدنا على كل شيء ,نتوقع ما سيحدث فالملل والرقود المسيطر على الأجواء لم يدع لأي شيء جديد أن يأخذ حيزا أو مكانا في واقعنا الحالي اعتدنا الحياة ,فأما اخبار عن موت او عن ضياع يعقبه ضياع او شيء يجعلنا نغرق اكثر في وحل الواقع المؤلم .
حياة تتلخص فى ,اما جلساء او ساكنون بلا غاية عقل شارد في اللا شيء ,نسترجع ما أمسى جميلاً منذ قرون فاليوم بسنة والسنة بقرن .
لم نعد متفتحين للغد , أصبحنا كالوردة التي ذبلت وفقدت رائحتها و لونها ورونقها تتساقط أوراقها ,لا تشتهيها القلوب .اصبحنا بلا غاية ولا نملك الهداية لأي سبيل ,العالم من حولنا اصبح مألوفا جدا .
ما من جديد , وحتى اذا كان فهو مقيت.

*****************

�/

استجابة القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن